وهي لِلإسْتِغْراقِ، فيَشْمَلُ كُلَّ الرِّياحِ، سواء أتَتْ من الشَّمال، أو الجَنوب، أو الشَّرْق، أو الغَرْب، فالله تعالى هو الذي أَرْسَلَها.
واعلم أنَّ الغالِبَ أن (الرياحَ) مجموعةً تكون في الخَيْر، و(الرِّيح) مفردة تكون في ضِدِّه، ولهذا يُروَى عن النَّبِيِّ ﵊ في دُعَاء الريح: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا" (^١).
ولكنْ مع ذلك تأتي هذه مَحَلَّ هذه، ويكون هناك قِرينَةٌ، ففي قَوْلِه تعالى: ﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ﴾ [الذاريات: ٤١]، هذه في الشَّرِّ، وَقَوْله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ [يونس: ٢٢] هذه في الخَيْرِ؛ لأنَّها وُصِفَت، وَقَوْله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ [الأعراف: ٥٧] هذه في الخَيْرِ، وهنا تكون في الخَيْر أيضًا.
قَوْله تعالى: ﴿فَتُثِيرُ سَحَابًا﴾ تُثيرُ عَطْفُ المضارِعِ على الماضي، وكان مُقْتَضى النَّسَق أن يَعْطِفَ على الماضي ماضيًا مثله، فيقول: (والله الذي أرسل الرياح فأَثارَتْ)، لكن لماذا عَدَلَ عن الماضي إلى المضارع؟
بَيَّنَه المُفَسِّر ﵀ فقال: [﴿فَتُثِيرُ سَحَابًا﴾ المضارعُ لحكايةِ الحالِ الماضِيَة]؛ يعني: عبَّرَ بالمضارعِ عن الماضي حكايةً للحال حين إرسالِها؛ لأنَّه أبْلَغُ في التَّصَوُّر، كأنَّها الآن أمامك وهي تُثيرُ هذا السَّحابَ، وهذا أَبْلَغُ في تصوُّر الإِنْسَان؛ لأنَّه يَسْتَحْضِر الحالَ الماضِية كأنَّها الآن؛ إذ إنَّ المضارِعَ - كما هو معلوم - يَصْلُحُ للحال والإستقبال،