Tafsir al-Uthaymeen: Az-Zukhruf
تفسير العثيمين: الزخرف
Editorial
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤٣٦ هـ
Ubicación del editor
المملكة العربية السعودية
Géneros
لأَنَّ المَطَرَ لَيسَ يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ نَفْسِهَا، ولكِنَّهُ ينْزِلُ مِنَ العُلوِّ؛ بدَلِيلِ قَولِهِ ﷿: ﴿وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَينَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ والسَّحابُ لَيسَ فِي السَّماءِ لَاصِقًا، ولكِنَّهُ بَينَ السَّماءِ والأَرْضِ، وهُوَ إِلَى الأَرْضِ أقْرَبُ.
إِذَنْ: فمِنَ المعْلُومِ أن المَطَرَ لَا يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ الدُّنيا، إنَّما يَنْزِلُ مِنَ السَّحابِ المُسخَّر بَينَ السَّماءِ والأرْضِ، والحِكمَةُ أن اللهَ تعَالى أَنْزَلَهُ -أَيِ: المَطَرَ- مِنْ فَوقُ أَنْ يَرويَ الأرْضَ عُلويَّها وسُفليَّها، والحِكمَةُ أن اللهَ جعَلَهُ نُقُطًا حتَّى لَا تَفْسَدَ الأرْضُ ويَتهَدَّمَ البُنيانُ، لَوْ كَانَ ينْزِلُ كأفْوَاهِ القِرَبِ لفسَدَتِ الأرْضُ، لكِنْ مِنْ حِكْمَةِ اللهِ أنَّهُ أَنْزَلَهُ نُقطًا.
وقَوله: ﴿نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ﴾ أَي: بقَدْرِ حَاجَتِكُمْ إِلَيهِ، وَلَمْ يُنزِّلْه طُوفَانًا.
قَوُلهُ: ﴿بِقَدَرٍ﴾ فسَّرَه ﵀: [أَي: بقَدْرِ مَا تَحتَاجُونَ إِلَيهِ، ولَهُ مَعْنًى آخَرُ [بِقَدَرٍ] يَعْنِي: مُقدَّرٌ مُحَدَّد، حتَّى النُّقطةُ قَدْ عَلِمَها اللهُ ﷿، وعَلِمَ كَيفَ تَنْزِلُ، وعَلِمَ مَتَى تَنْزِل، وعَلِمَ أينَ تَنزِلُ، كُلُّ شَيءٍ بقَدَرٍ؛ قَال اللهُ تعَالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (٤٩)﴾ [القمر: ٤٩].
فيَكُون المَعْنَى عَلَى هَذَا: أن هَذَا المطَرَ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَى كثرَتِهِ وكثْرَةِ عدَدِ نِقَاطِهِ، ينْزِلُ بقَدَرٍ مُحدَّد، والمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ المُفَسِّر معْنًى صَحِيح، والْآية تَحتَمِلُ هَذَا وهَذَا، والقَاعِدَةُ عنْدَنَا فِي التَّفسِيرِ أن الكلِمَةَ فِي القُرآنِ أَوْ فِي السُّنَّة إذَا كَانَتْ تَحتَمِلُ معنيَينِ عَلَى السَّواءِ ولَا مُنافَاةَ بينَهُما، فإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ تُحمَلَ علَيهِما؛ تَوسعَةً للمَعْنَى.
﴿فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيتًا﴾: (أَنشَرْنا) أَي: أَحْيَينا، كما جَاءَ ذَلِكَ فِي آياتٍ أُخْرَى؛ فِي قَولِهِ ﷿: ﴿فَأَحْيَينَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [فاطر: ٩] فإِذَنْ (أَنشَرْنا) بمَعْنَى: أَحْيينَا،
1 / 67