Tafsir Al-Uthaymeen: Ar-Rum
تفسير العثيمين: الروم
Editorial
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Edición
الأولى
Año de publicación
١٤٣٦ هـ
Ubicación del editor
المملكة العربية السعودية
Géneros
لفْظِ الآيَةِ عَلَى غيْرِ مثَالٍ سابِقٍ؛ وَهذا قال المُفَسِّر ﵀: [﴿فِطْرَتَ اللَّهِ﴾ خِلْقَتَه ﴿الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾، وَهِي دِينُه، أيْ: الزَمُوهَا]. المُراد بالفِطْرة هُنا توْحِيدُ الله ودِينُ الله، وهذِه الآيَةُ شاهِدٌ للحدِيثِ الصَّحيحِ: "كلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَىِ الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ" (^١). لو أنَّ المخلُوقَ تُرِكَ وفِطْرَتَه مَا عبَدَ إِلَّا الله؛ ولِهَذا البهائِمُ العجمُ الَّتي ليْسَ لها مَا يُغرِيها أو يُصَرِّفُها: هلْ يُمكِن أنْ تعبُدَ اللاتَ والعُزَّى والشَّمْس والقَمر؟
الجوابُ: لَا؛ لأَنَّ الله تَعالَى يقُولُ: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإِسْراء: ٤٤]، فأصْلُ الخلْقِ مفْطُورٌ عَلَى توْحِيدِ الرَّبِّ ﷿: الخالِق، لكِنْ مَن أُعْطُوا العقولَ هُم الَّذِين رُبَّما ينْحَرِفُونَ لأَنَّ لهم إِرادَاتٍ واتِّجاهاتٍ بخلافِ مَنْ ليْسَ لَهُ إِلا العقْلُ المعِيشيُّ، فإِنَّهُ لا ينْصَرِفُ عَن هَذِهِ الفِطرَةِ، وَلِهَذا البهائِمُ العُجْم - كَما قُلتُ - تعرِفُ خالِقَها وفاطِرَها ولَا تُسبِّحُ إِلا الله.
قالَ المُفَسِّر ﵀: [﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ لدِينِهِ، أيْ لَا تُبَدِّلُوهُ بِأَنْ تُشْرِكُوا].
وقوْله تَعالَى: ﴿لَا تَبْدِيلَ﴾ نفْيٌ؛ لأَنَّ ﴿لَا﴾ نافِيةٌ للجِنْس، فهَلْ هُو باقٍ عَلَى كونِه نفْيًا، يعْنِي لفْظًا ومعْنًى، أوْ أنَّه نفْيٌ لفظًا، خبَرٌ معْنًى؟ المُفَسِّر رَحَمَهُ اَللهُ مشَى عَلَى الأَخِير، وأَنَّه نفْيٌ بمَعْنى النَّهيِ، أيْ: لَا تُبدِّلُوا هَذِهِ الفطْرَةَ بالإْشراكِ، والنَّفْيُ يأْتِي بمعْنَى النَّهيِ كثِيرًا، مثْلُ قوْلِه تَعالَى: ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ﴾ [البقرة: ١ - ٢]، فِيها تفْسِيرانِ كَما تقدَّم أحدُهُما أنَّها بمَعْنى النَّفيِ، أيْ: ليْسَ فِيه ريبٌ ولا شَكٌّ، والثّانِي بمعْنَى النَّهي لا ترتابوا فيه، ومثل قوْله تَعالَى: ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا﴾ [الحج: ٧]،
(^١) أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، رقم (١٣٨٥).
1 / 178