حِينَ عَرَفَنِي -أَي: قَولهُ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ- فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي؛ أَي: غَطَّيْتُهُ بِالمُلَاءَةِ، وَاللهِ مَا كَلَّمَنِيَ بِكَلِمَةٍ وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ حِينَ أناخَ رَاحِلَتهُ وَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الجيْشَ بَعْدَمَا نَزُلوا مُوغِرِينَ ... إِلَى آخِرِهِ]. اهـ.
لما رأى صَفْوَانُ بْنُ المُعَطِّلِ ﵁ سواد الشَّخص أقبل إلَيْه، فإذا بأم المُؤْمِنِينَ عَائِشَة ﵂ نائمة ولم تُغَطِّ وجهها؛ لأنَّها لَيْسَ حولها أحد، فعرَفها ﵁، وكان قد رآها قبل الحجاب فقال: إنا لله وإنا إلَيْه راجعونَ، ثم أناخ بعيره ووطئ على ركبته حَتَّى ركبت، وذهب يقود بها حَتَّى أتى الجيش، ولم يكلِّمْها بكَلِمةٍ، وإنَّما استرجع ﵁ خوفًا مما وقع، توقَّع أمرًا فوقع؛ لأَنَّ امرأة في فلاة من الأَرْض وحدها ويأتي بها رجل متأخِّر عن الجيش وهي متأخِّرة عنه، هَذَا لا شَكَّ أنَّه بليةٌ وابتلاءٌ من الله ﷿.
ولهَذَا رأى أنَّها مصيبةٌ فاسترْجَع، ولكن لعفته وتعظيمه النَّبِيّ ﷺ وتعظيمه أم
المُؤْمِنِينَ ﵂ لم يكلمها ولا بكَلِمة حَتَّى لم يقل: اركبي، ولا قَالَ: ما الَّذِي خلَّفك؟
ولا قَالَ: لا بأس عَليْك، ما تكلم بكَلِمة إطلاقًا احترامًا لفِراش النَّبِيّ ﷺ.
ثم يَقُول المُفَسِّر ﵀: [مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، أَي: مِنْ أَوْغَرَ وَاقِفِينَ فِي مَكَانٍ وَغرٍ مِنْ شِدَّةِ الحرِّ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِيَّ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ عَبْدَ اللهِ ابْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ. قَوْلهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ] (^١). اهـ.