ولكن لم يزدهم ذلك إلا نفورًا، وهو صابر على الأذى والسخرية، وحين كان ﵇ يصنع السفينة، فإذا مروا به قال تعالى: ﴿وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ﴾ [هود: ٣٨]، وتأمل قوله: ﴿مَلَأٌ﴾ والملأ الأشراف، وسخرية الأشراف ليست كسخرية آحاد الناس، يعني: أشد في قمع الإنسان واستهانته.
قوله: ﴿فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا﴾، ﴿فَصَبَرُوا﴾، أي: تحملوا الرسالة وأدوها على ما فيها من مصادمات وأذى. وقوله: ﴿وَأُوذُوا﴾ يحتمل أن تكون "معطوفة على ﴿مَا كُذِّبُوا﴾، يعني: صبروا على ما كذبوا وعلى ما أوذوا، ويحتمل أن تكون معطوفة على ﴿كُذِّبُوا﴾، يعني: ولقد كذبت رسل من قبلك وأوذوا، والمعنيان لا يختلفان كثيرًا.
فإن قيل: هل أوذوا بالقول، أو بالقول والفعل؟
قلنا: بهما جميعًا، حتى إن بعضهم قتل، وأوذوا بالقول، وذلك بأنهم كانوا يسخرون بهم خِلقة وخُلقًا وغير ذلك، حتى إن اليهود قالوا لموسى: إنه رجل آدر، أي: كبير الخصيتين، وهذا عيب عند الناس، وكان موسى ﵊ لا يبدي عورته لهم، فلما كان ذات يوم خلع ثوبه ليغتسل، ووضعه على حجر، فهرب الحجر بثوبه، وجعل يسعى وراءه ويقول: "ثوبي حجر، ثوبي حجر"، لكن الحجر لم يقف إلا في الملأ من بني إسرائيل، حتى شاهدوا أن موسى بريء مما قيل فيه (^١)، وأظهر الله
(^١) رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب: حديث الخضر مع موسى ﵉ (٣٤٠٤)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب: من فضائل موسى ﵇ (٣٣٩).