Tafsir Al-Sha'rawi

Ash-Sha'rawi d. 1418 AH
85

Tafsir Al-Sha'rawi

تفسير الشعراوي

Géneros

والله سبحانه وتعالى خلقنا مختارين ولم يخلقنا مقهورين. القهر يثبت صفة القدرة لله، ولكن الله سبحانه وتعالى يريد منا أن نأتي عن حب وليس عن قهر، ولذلك خلقنا مختارين، وجعل لنا طاقة تستطيع أن تعصي وأن تطيع. وما دام هناك اختيار، فالإنسان يختار هذه أو تلك. إن الله لم يخلق بشرا يختارون الخير على طول الخط وبشرا يختارون الشر في كل وقت. فهناك من الخيرين من يقع في الشر مرة، وهناك من الشريرين من يعمل الخير مرة. فالعبد ليس مخلوقا أن يختار خيرا مطلقا، أو أن يختار شرا مطلقا.. ولذلك فأحيانا ننسى أو نسهو، أو نعصي. وما دام العبد معرضا للخطيئة، فالله سبحانه وتعالى شرع التوبة، حتى لا ييأس العبد من رحمة الله، ويتوب ليرجع إلى الله. وقد جاء في الحكمة: " رب معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا ". وهكذا عندما نزل آدم ليباشر مهمته في الحياة، لم يكن يحمل أي خطيئة على كتفيه، فقد أخطأ وعلمه الله تعالى كلمات التوبة. فتاب فتقبل الله توبته. وقوله سبحانه وتعالى: { إنه هو التواب الرحيم } [البقرة: 37].. كلمة تواب تدل على أن الله تعالى لا يأخذ عباده بذنب واحد. لأنه سبحانه وتعالى حتى لو تاب عن ذنب واحد لكل عبد من عباده كان توابا. والمبالغة في الصفة تأتي من ناحيتين: أولا إن الأمر يتكرر عدة مرات من عدد قليل من الأشخاص، أو من شخص واحد، أو أن الأمر يقع مرة واحدة ولكن من أشخاص كثيرين. فإذا قلت مثلا: فلان أكول، قد يكون أكولا لأنه يأكل كمية كبيرة من الطعام، فيسمى أكولا.. إنه لا يتجاوز طعامه في عدد مراته وجبات الطعام العادي للإنسان، ولكنه يأكل كمية كبيرة، فنسميه أكولا، فيأكل مثلا عشرة أرغفة في الإفطار ومثلها في الغداء ومثلها في العشاء. وقد يكون الإنسان أكولا إذا تكرر الفعل نفسه.. كأن يأكل كميات الطعام العادية ولكنه يأكل في اليوم خمس عشرة مرة مثلا، فالله سبحانه وتعالى تواب لأن خلقه كثيرون. فلو اخطأ كل واحد منهم مرة، يكون عدد ذنوبهم التي سيتوب الله عليها كمية هائلة. فإذا وجد من يذنب عدة مرات في اليوم، فإن الله تعالى، يكون توابا عنه أيضا إذا تاب واتجه إليه. إذن مرة تأتي المبالغة في الحدث وإن كان الذي يقوم به شخص واحد، ومرة تأتي المبالغة في الحدث لأن من يقوم به أفراد متعددون. إذن: فآدم أذنب ذنبا واحدا يقتضي أن يكون الله تائبا، ولكن ذرية آدم من بعده سيكونون خلقا كثيرا.. فتأتي المبالغة من ناحية العدد. وقوله تعالى: { إنه هو التواب الرحيم } [البقرة: 37] سيدنا عمر جاءته امرأة تصيح وتصرخ لأن ابنها ضبط سارقا.

وقالت لعمر ما سرق ابني إلا هذه المرة. فقال لها عمر: الله أرحم بعبده من أن يأخذه من أول مرة. لابد أنه سرق من قبل. وأنا أتحدى أن يوجد مجرم يضبط من أول مرة. كلمة " تواب " تدل على أنه يضبط بعد مرتين أو ثلاث، فالله يستر عبده مرة ومرة، ولكن إذا ازداد وتمادى في المعصية، يوقفه الله عند حده. وهذا هو معنى تواب. والحق سبحانه وتعالى تواب برحمته، لأن هناك من يعفو ويظل يمن عليك بالعفو. حتى أن المعفو عنه يقول: ليتك عاقبتني ولم تمن علي بالعفو كل ساعة، ولكن الحق سبحانه وتعالى، تواب رحيم، يتوب على العبد، ويرحمه فيمحو عنه ذنوبه.

[2.38]

يقول الحق سبحانه وتعالى في هذه الآية: { قلنا اهبطوا منها جميعا } [البقرة: 38] وفي سورة طه يقول جل جلاله:

قال اهبطا منها جميعا

[طه: 123] عندما خاطب الله سبحانه وتعالى بصورة الجمع. كان الخطاب لكل ذرية آدم المطمورة في ظهره، أمر لهم جميعا بالهبوط، آدم وحواء والذرية، لأن كل واحد منا إلى أن تقوم الساعة فيه جزىء من آدم. ولذلك لا بد أن نلتفت إلى قول الحق تبارك وتعالى:

ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لأدم..

[الأعراف: 11]. نلاحظ هنا أن الخطاب بصيغة الجمع، فلم يقل الحق سبحانه وتعالى لقد خلقتك ثم صورتك ثم قلت للملائكة اسجدوا لآدم، فكأن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أنه ساعة الخلق كان كل ذرية آدم مطمورين في ظهره. خلقهم جميعا ثم صورهم جميعا، ثم طلب من الملائكة السجود لآدم. فهل نحن كنا موجودين؟ نعم كنا موجودين في آدم. ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يقول: { اهبطوا } [البقرة: 38] لنعرف أن هذا الخطاب موجه إلى آدم وذريته جميعا إلى يوم القيامة. ومرة يقول:

اهبطا منها جميعا

[طه: 123] لأن هنا بداية تحمل المسئولية بالنسبة لآدم في هذه اللحظة وهي لحظة الهبوط في الأرض، سيبدأ منهج الله مهمته في الحياة. وما دام هناك منهج وتطبيق فردي، تكون المسئولية فردية، ولا يأتي الجمع هنا. فالحق سبحانه وتعالى يقول:

Página desconocida