[الأعراف: 24]. فهي إذن حياة موقوتة على قدر وقتها، وعلى قدر حجمها.. والذين يقولون إنه لابد من وجود بشر نسميه مخلصا. ليفدي العالم بصلبه أو بغير ذلك من الخطيئة التي ارتكبها آدم. نقول له: إنك لم تفهم عن الله شيئا، لأن القصة هي هنا خطأ قد حدث وصوب. وفرق بين الخطأ والخطيئة. فالخطأ يصوب. ولكن الخطيئة يعاقب عليها. وآدم أخطأ وصوب الله له. وتلقى من ربه كلمات فتاب عليه. إذن لا توجد خطيئة بعد أن علمه الله التوبة وتاب إلى الله. ثم ماذا فعل آدم، حتى نقول نخلص العالم من خطيئة آدم. إنه أكل من الشجرة. وهل خطايا العالم كلها أكل؟! من الذي أوجد القتل وسفك الدماء، والزنى والاغتصاب والنميمة والغيبة؟ لو أن كلامهم صحيح لكان لابد ألا توجد خطيئة على الأرض ما دام قد وجد المخلص الذي فدى العالم من الخطيئة، ولكن الخطيئة باقية. ومن الذي قال إن الخطيئة تورث، حتى يرث العالم كله خطيئة آدم؟!.. والله سبحانه وتعالى يقول:
ولا تزر وازرة وزر أخرى
[فاطر: 18].
وقول الحق سبحانه وتعالى: { وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو } [البقرة: 36] العداوة هنا بين الشيطان والإنسان، والعداوة أيضا بين شياطين الإنس والمؤمنين، هذه العداوة التي تؤدي بنا إلى نشاط وتنبه. فالمستشرقون يعادون الإسلام، ولكن معاداتهم هذه تعطينا نشاطا لكي نبحث ونطلع حتى نرد عليهم. وجنود الشيطان من الإنس يعادون المؤمنين، وعداواتهم هذه تعطينا مناعة ألا نخطئ ولا نغفل. فأنت ما دام لك عدو.. فحاول أن تتفوق عليه بكل السبل. ولعل الحضارة الإنسانية لا ترتقي بسرعة قدر ارتقائها وقت الحروب. ففيها يحاول كل خصم أن يتغلب على خصمه، وتجند كل القوى للتفوق علميا على الدول الأخرى. هذه الارتقاءات والاختراعات، قد تكون للتدمير والقتل. ولكن بعد أن تنتهي الحرب توجه إلى ارتقاءات الإنسان في الأرض. فتفتيت الذرة وصلوا إليه في الحروب، والصواريخ التي وصل الإنسان بها إلى القمر كانت نتيجة حرب، والارتقاءات العلمية المختلفة التي تمت في أمريكا والاتحاد السوفيتي كان أساسها عداء كل معسكر للآخر. وقوله تعالى { اهبطوا بعضكم لبعض عدو } [البقرة: 36].. الهبوط قد يكون من مكان أعلى إلى مكان أسفل، وقد يكون الهبوط معنويا، بأن تقول هذا الإنسان هبط في نظري منذ فعل كذا. هو لم يهبط من مكان أعلى إلى مكان أسفل. ولكنه هبط في قيمته، والمسافات لا تعني قربا أو بعدا. فقد يكون إنسان يجلس إلى جوارك وأنت بعيد عنه لا تحس به. وقد يكون هناك إنسان بعيد عنك بمئات الأميال ولكنه قريب إلى قلبك أكثر من ذلك الجالس إلى جوارك، وسواء كان الهبوط ماديا أو معنويا، فإنه حدث ليباشر آدم مهمته على الأرض، والعداوة بين الإيمان والكفر مستمرة. وهكذا بعد معصية آدم هبط هو وحواء من الجنة ليمارسا حياتهما على الأرض.. وقوله تعالى: { اهبطوا } معناه: إن آدم وحواء وإبليس هبطوا إلى الأرض بعد أن تمت التجربة الإيمانية. لقد بين الله تعالى لآدم عمليا أن إبليس عدو له. لا يريد له الخير: وأنه كاذب في كل ما يعد به الإنسان، وقد حدد الله الحياة الدنيا بأنها حياة موقوتة. قدراتها محدودة، ومتاعها محدود.. في قوله تعالى:
ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين
[الأعراف: 24]. أي لا أحد سيبقى في الأرض إلا بمقدار ما قدر الله له من عمر ثم يموت. وبهذا حذر الله آدم وذريته من أن يتخذوا من الحياة هدفا لأن متاعها قليل، وأمدها قصير.
[2.37]
نزل آدم وحواء إلى الأرض ليمارسا مهمتهما في الكون، وقبل أن يبدآ هذه المهمة. جعلهما الله سبحانه وتعالى يمران بتجربة عملية بالنسبة لتطبيق المنهج وبالنسبة لإغواء الشيطان، وحذرهما بأن الشيطان عدو لهما.. كان لا بد بعد أن وقعت المعصية أن يشرع الله تعالى التوبة رحمة بعباده. ذلك أن تشريع التوبة ليس رحمة بالعاصي وحده، ولكنه رحمة بالمجتمع كله. فالإنسان إذا عصى وعرف أنه لا توبة له وأنه محكوم عليه بالخلود في النار، يتمادى في إجرامه، لأنه ما دام لا أمل له في النجاة من عذاب الآخرة، فإنه يتمادى في المعصية، لأنه لا أمل في الغفران أو التوبة. من الذي سيعاني في هذه الحالة؟ إنه المجتمع الذي يعيش فيه ذلك العاصي. وسيكون المؤمنون أكثر الناس معاناة لأنهم أهل خير وتسامح ولأن الله سبحانه وتعالى أمرهم بالعفو، والصفح. واقرأ قوله تبارك وتعالى:
ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم
[النور: 22]. وقوله تعالى:
Página desconocida