Tafsir Al-Sha'rawi

Ash-Sha'rawi d. 1418 AH
63

Tafsir Al-Sha'rawi

تفسير الشعراوي

Géneros

فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين

[ص: 72]. فالحق تبارك وتعالى أخبرنا عن مرحلة في الخلق لم نشهدها، ولكن الموت شيء مشهود لنا جميعا.. وما دام مشهودا لنا، يأتي الحق سبحانه وتعالى به كدليل على مراحل الخلق التي لم نشهدها.. فالموت نقص للحياة، والحياة أخبرنا الله تبارك وتعالى بأطوارها، ولكنها غيب لم نشهده. ولكن الذي خلق قال: أنا خلقتك من تراب.. من طين. من حمأ مسنون. من صلصال كالفخار.. فالماء وضع على تراب فأصبح طينا.. والطين تركناه فتغير لونه وأصبح صلصالا.. الصلصال.. جف فأصبح حمأ مسنونا، ثم نحته في صورة إنسان ونفخ الحق سبحانه وتعالى فيه الروح فأصبح بشرا.. ثم يأتي الموت وهو نقض للحياة، ونقض كل شيء يأتي على عكس بنائه. بناء العمارة يبدأ من أسفل إلى أعلى، وهدمها يبدأ من أعلى إلى أسفل.. ولذلك فإن آخر مرحلة من رحلة ما.. هي أول خطوة في طريق العودة، فإذا كنت مسافرا إلى الإسكندرية.

. فأول مكان في طريق العودة هو آخر مكان وصلت إليه. أول شيء يخرج من الجسد هو الروح وهو آخر ما دخل فيه.. ثم بعد ذلك يتصلب الجسد ويصبح كالحمأ المسنون، ثم يتعفن فيصبح كالصلصال، ثم يتبخر الماء الذي فيه فيعود ترابا.. وهكذا يكون الموت نقض صورة الحياة.. متفقا مع المراحل التي بينها لنا الحق سبحانه وتعالى. وقوله تعالى: { ثم إليه ترجعون } [البقرة: 28].. أي: أن الله تبارك وتعالى يبعثكم ليحاسبكم.. لقد حاول الكفار والملحدون وأصحاب الفلسفة المادية أن ينكروا قضية البعث.. وهم في هذا لم يأتوا بجديد، بل جاءوا بالكلام نفسه الذي قاله أصحاب الجاهلية الأولى.. واقرأ قوله تعالى عما يقوله أصحاب الجاهلية الأولى:

وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنآ إلا الدهر..

[الجاثية: 24]. وأمنية الكافر والمسرف على نفسه ألا يكون هناك بعث أو حساب، والذين يتعجبون من ذلك نقول لهم: أن الله سبحانه وتعالى الذي أوجدكم من عدم يستطيع أن يعيدكم وقد كنتم موجودين.. يقول جل جلاله:

وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم

[الروم: 27]. فإيجاد ما كان موجودا أسهل من الإيجاد من عدم على غير مثال موجود، والله سبحانه وتعالى يرد على الكفار فيقول سبحانه:

وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأهآ أول مرة وهو بكل خلق عليم

[يس: 78-79]. وهكذا، فإن البعث أهون على الله من بداية الخلق، وكل شيء مكتوب عند الله سبحانه وتعالى في كتاب مبين.. وما أخذته الأرض من جسد الإنسان ترده يوم القيامة ليعود من جديد. وخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الإنسان.. واقرأ قوله تعالى:

لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون

Página desconocida