247

أأنتم أضللتم عبادي..

[الفرقان: 17]. ساعة تقوم الساعة لا يوجد الاختيار ويصير الكل عبادا حتى الكفرة لم يعد لهم اختيار. وحين يقول الحق: { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } [البقرة: 186] فالعباد الذين التزموا لله بالمنهج الإيماني لن يسألوا الله إلا بشيء لا يتنافى مع الإيمان وتكاليفه. والحق يقول: { فليستجيبوا لي } [البقرة: 186] لأن الدعاء يطلب جوابا، وما دمت تطلب إجابة الدعاء فتأدب مع ربك فهو سبحانه قد دعاك إلى منهجه فاستجب له إن كنت تحب أن يستجيب الله لك { فليستجيبوا لي } [البقرة: 186]، وبعد ذلك يتكلم الحق سبحانه وتعالى في كلمة " الداع " ولا يتركها مطلقة، فيقول: " إذا دعان " فكأن كلمة " دعا " تأتي ويدعو بها الإنسان، وربما اتجه بالدعوة إلى غير القادر على الإجابة، ومثال ذلك قول الحق:

إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم..

[الأعراف: 194]. وقوله الحق:

إن تدعوهم لا يسمعوا دعآءكم..

[فاطر: 14]. فكأن الداعي قد يأخذ صفة يدعو بها غير مؤهل للإجابة، والحق هنا قال: { أجيب دعوة الداع إذا دعان } [البقرة : 186] أما إذا ذهب فدعا غير قادر على الوفاء فالله ليس مسئولا عن إجابة دعوته. إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يعلمنا أن الإنسان يدعو بالخير لنفسه، وأنت لا تستطيع أن تحدد هذا الخير لأنك قد تنظر إلى شيء على أنه الخير وهو شر، وما دمت تدعو فأنت تظن أن ذلك هو الخير، إذن فملحظية الأصل في الدعاء هي أنك تحب الخير، ولكنك قد تخطىء الطريق إلى فهم الخير أو الوسيلة إلى الخير، أنت تحب الخير لا جدال، لذلك تكون إجابة ربك إلى دعائك هي أن يمنع إجابة دعوتك إن كانت لا تصادف الخير بالنسبة لك، ولذلك يجب ألا تفهم أنك حين لا تجاب دعوتك كما رجوت وطلبت أن الله لم يستجب لك فتقول: لماذا لم يستجب الله لي؟. لا لقد استجاب لك، ولكنه نحى عنك حمق الدعوة أو ما تجهل بأنه شر لك. فالذي تدعوه هو حكيم فيقول: " أنا سأعطيك الخير، والخير الذي أعلمه أنا فوق الخير الذي تعلمه أنت، ولذلك فمن الخير لك ألا تجاب إلى هذه الدعوة ". وأضرب هذا المثل - ولله المثل الأعلى -: قد يطلب منك ابنك الصغير أن تشتري له مسدسا، وهو يظن أن مسألة المسدس خير، لكنك تؤخر طلبه وتقول له: فيما بعد سأشتري لك المسدس إن شاء الله، وتماطل ولا تأتيه بالمسدس، فهل عدم مجيئك بالمسدس له على وفق ما رأى هو منع للخير عنه؟ إن منعك للمسدس عنه فائدة وصيانة وخير للابن.

إذن، فالخير يكون دائما على مقدار الحكمة في تناول الأمور، وأنت تمنع المسدس عن ابنك، لأنك قدرت أنه طفل ويلهو مع رفاقه وقد يتعرض لأشياء تخرجه عن طوره وقد يتسبب في أن يؤذيه أحد، وقد يؤذي هو أحدا بمثل هذا المسدس. وكذلك يكون حظك من الدعاء لا يستجاب لأن ذلك قد يرهقك أنت.. والحق سبحانه وتعالى يقول:

ويدع الإنسان بالشر دعآءه بالخير وكان الإنسان عجولا

[الإسراء: 11]. ولذلك يقول سبحانه:

سأوريكم آياتي فلا تستعجلون

Página desconocida