تفسير القرآن الكريم - أسامة سليمان
تفسير القرآن الكريم - أسامة سليمان
Géneros
صور من الحياء الفطري عند العرب قبل الإسلام
كانت العرب قبل الإسلام تعرف خلق الحياء، فقد جاء في كتاب بدء الوحي عند البخاري أن هرقل أرسل إلى أبي سفيان مع بعض أصحابه وكانوا تجارًا بالشام يسألهم عن النبي محمد ﷺ، وكان هرقل داهية، ومحللًا ومدركًا للعبارات، ويربط الأحداث والجمل ويستنبط؛ لذلك قال أبو سفيان: ما رأيت داهية كهذا الأقلف؛ لأنه كان غير مختون.
قال لهم هرقل: أيكم أقرب نسبًا إلى هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قال أبو سفيان: أنا، واختار القريب نسبًا؛ لأنه إن طعن في نسبه فسيطعن في نسبه هو، فقال أبو سفيان: أنا، فقال لترجمانه: قربوه واجعلوا أصحابه خلف ظهره، وقال لأصحابه: إني سائله فإن كذبني فكذبوه، بعد أن أبعدهم عن مواجهته، بحيث إذا كذب في الحديث كذبوه من خلفه، يقول أبو سفيان: وسألني ولولا أني خفت أن يأثروا علي كذبًا لكذبت، لولا أني استحييت، قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: إنه لو كذب ما كذبوه؛ لأنهم اشتركوا معًا في بغض النبي ﵊، ولكن أبا سفيان خشي أن يقول الناس بعد أن يرجعوا: إنه كذب على النبي ﷺ، فـ أبو سفيان استحيا أن يكذب، فكان عندهم حياء.
وأبو جهل بعد هجرة النبي ﵊ قال له قومه: تسور الجدار على أسماء وسلها عن أبيها وعن رسول الله، فقال: يا قوم أتريدون أن يعيرني الناس ويقولون: إن أبا جهل يتسور الجدران على النساء بالليل، الله أكبر! أين حياء أبي جهل ممن يقتحم البيوت ويدخل إلى الحجرات وينظر إلى العورات دون أن يتقي رب البريات؟ أبو جهل ينأى بنفسه أن يعتلي جدارًا لينظر إلى امرأة ليس معها أحد، والقرآن الكريم جاء يبين في سورة القصص موقف ابنتي شعيب يقول ربنا سبحانه: ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لنا﴾ [القصص:٢٥].
يقول عمر ﵁: خرجت وقد وضعت كم درعها على وجهها، وهي تحدث رجلًا أجنبيًا لا يحل لها أن تحدثه، فلم تكن سلفع، خراجة ولاجة جريئة لا حياء عندها.
في الجاهلية وقع البرقع من امرأة أمام مجلس الرجال، ثم ناخت على الأرض بقدميها لتأخذ البرقع بيدها الأخرى، واستحيت من الحضور، أين الحياء في زماننا يا قوم؟
5 / 4