Tafsir al-Baydawi
تفسير البيضاوى
Editor
محمد عبد الرحمن المرعشلي
Editorial
دار إحياء التراث العربي
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤١٨ هـ
Ubicación del editor
بيروت
شمويل ﵈. ابْعَثْ لَنا مَلِكًا نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أقم لنا أميرًا ننهض معه للقتال يدبر أمره ونصدر فيه عن رأيه، وجزم نقاتل على الجواب. وقرئ بالرفع على أنه حال أي أبعثه لنا مقدرين القتال، ويقاتل بالياء مجزومًا ومرفوعًا على الجواب والوصف لملكا. قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا فصل بين عسى وخبره بالشرط، والمعنى أتوقع جبنكم عن القتال إن كتب عليكم، فأدخل هل على فعل التوقع مستفهمًا عما هو المتوقع عنده تقريرًا وتثبيتًا. وقرأ نافع عَسَيْتُمْ بكسر السين. قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا أيْ أيُّ غرض لنا في ترك القتال وقد عرض لنا ما يوجبه ويحث عليه من الإخراج عن الأوطان والإفراد عن الأولاد، وذلك أن جالوت ومن معه من العمالقة كانوا يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين، فظهروا على بني إسرائيل فأخذوا ديارهم وسبوا أولادهم وأسروا من أبناء الملوك أربعمائة وأربعين. فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ثلاثمائة وثلاثة عشر بعدد أهل بدر وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وعيد لهم على ظلمهم في ترك الجهاد.
[سورة البقرة (٢): آية ٢٤٧]
وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكًا قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٤٧)
وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكًا طالوت علم عبري كداود وجعله فعلوتًا من الطول تعسف يدفعه منع صرفه، روي أن نبيهم ﷺ لما دعا الله أن يملكهم أتى بعضا يقاس بها من يملك عليهم فلم يساوها إلا طالوت قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا من أين يكون له ذلك ويستأهل. وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ
والحال أنا أحق بالملك منه وراثة ومكنة وإنه فقير لا مال له يعتضد به، وإنما قالوا ذلك لأن طالوت كان فقيرًا رَاعيًا أو سقاء أو دباغًا من أولاد بنيامين ولم تكن فيهم النبوة والملك، وإنما كانت النبوة في أولاد لاوى بن يعقوب والملك في أولاد يهوذا وكان فيهم من السبطين خلق. قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ لما استبعدوا تملكه لفقره وسقوط نسبه رد عليهم ذلك. أولًا بأن العمدة فيه اصطفاه الله ﷾ وقد اختاره عليكم وهو أعلم بالمصالح منكم، وثانيًا بأن الشرط فيه وفور العلم ليتمكن به من معرفة الأمور السياسية، وجسامة البدن ليكون أعظم خطرًا في القلوب، وأقوى على مقاومة العدو ومكابدة الحروب، لا ما ذكرتم. وقد زاده الله فيهما وكان الرجل القائم يمد يده فينال رأسه، وثالثًا بأن الله تعالى مالك الملك على الإطلاق فله أن يؤتيه من يشاء، ورابعًا أنه واسع الفضل يوسع على الفقير ويغنيه عليم بمن يليق بالملك من النسيب وغيره.
[سورة البقرة (٢): آية ٢٤٨]
وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٤٨)
وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ لما طلبوا منه حجة على أنه ﷾ اصطفى طالوت وملكه عليهم. إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ الصندوق فعلوت من التوب، وهو الرجوع فإنه لا يزال يرجع إلى ما يخرج منه، وليس بفاعول لقلة نحو سلس وقلق، ومن قرأه بالهاء فلعله أبدله منه كما أبدل من تاء التأنيث لاشتراكهما في الهمس والزيادة، ويريد به صندوق التوراة وكان من خشب الشمشاد مموهًا بالذهب نحوًا من ثلاثة أذرع في ذراعين. فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ الضمير للإِتيان أي في إتيانه سكون لكم وطمأنينة، أو للتابوت أي مودع فيه
1 / 150