لَقَدْ ظَلَّتْ أوَاخِرُها الأَعالِي ... مَعَ الأُولى بِجِسْمِكَ في قِتالِ
قال ابن جني: الأولى بجسمك أي الأدنى إليه وهذا كقوله أيضا: وتَحْسُدُ الخَيْلُ مِنْها أيَّها رَكبا وقال ابن فورجه: قوله) أواخرها الأعالي (مما يجب أن يوضح غرضه فيه، وذاك أنه يريد أن ثيابه الأعالي هي أواخرها، يلبس إذا أوائلها يلي جسده وهذا من قول الفلاسفة: أول الفكرة آخر العمل، وآخر العمل أول الفكرة، وإن تأولها متأول بأنها الأعالي، لأنها أعلى محلا في عيون الناس وأبهى وهكذا يلبس اللابس أبهاها وأرفعها مظاهرا كان جيدا.
وقال الشيخ أبو عبد الله النمري في كتاب الحماسة
لَئِن كان يُهْدَى بَرْد أنيابها العُلَى ... لأفْقَرَ مِنّي إنَني إنَني لَفقرُ
إنه خص الأنياب العُلىَ لأنّها هي التي يظهر منها إذا ابتسمت أو تكلمت، وهذا كقول الآخر:
إذا ضحِكَتْ شَبَهتُ أنيابَها العُلىَ ... خَنافِسَ سُودًا في صُراةِ قَليبِ
وقال رجل يعرف بأبي مسلم الولادي إنه إنما قال العلى، لأن العرب تذكر بعض الشيء تريد به كله، فمعنى أنيابها العلى أنيابها كلها، وقال غيرهما من مسرى هذا البيت: إنه قال العلى لأنه أراد الرفع من شأنها، كقولك زيد العلى مضافا وغلام عمرو العلى.
ومن التي أولها: لَكِ يا مَنازِلُ في القُلُوبِ مَنازِلُ
يَعْلَمْنَ ذاكِ ومَا عَلِمْتِ وإنما ... أوْلاكما يُبكَى عَلَيْهِ العاقِلُ
قال الشيخ ﵀: يعلمن ذاك أي منازلك التي في الفؤاد يعلمن بحالك وحالهن فهن أواهل بذكرك وأنت مقفرة من ذكر أهلك، ولست تذكرين منازلك التي في الفؤاد وأولاكما بأن يبكي عليه العاقل، يعني المنازل التي في الفؤاد.
وقال ابن فورجة: قوله ذاك يريد هذا الأمر الذي حكاه، يعني إقفارك أيتها المنازل وخلوك من الأحباب وأنت لا تعلمين ذاك، لأنك لا عقل لك، والهاء في " عليه " تحتمل معنيين كلاهما حسن، فأحدهما: يعود إلى ذاك يعني أولاكما بالبكاء على هذه الحال التي ذكرت العاقل منكما وهو الفؤاد.
والثاني: أن تعود الهاء إلى أولى يريد أولاكما يبكي على نفسه، وقد مر لهذا نظائر، ومثل هذا المعنى إلا أن فيه زيادة قوله أيضا:
لو كُنتَ تنطِقُ قلتَ مُعْتَذِرًا ... بِي غَيْرُنا بكَ أيُّها الرَّجُلُ
أبكاكَ أنَّكَ بعْضُ من شَغَفُوا ... لمْ أبْكِ أنّي يَعْضُ مَنْ قَتَلوا
تخُلوا الدّيارُ من الظّباءَ وعِنْدَهُ ... منْ كُل تابِعَةٍ خَيالٌ خاذِلُ
قال الشيخ ﵀: الهاء في) عنده (عائدة على الذي، والذي وصلته مراد بها الشاعر يقول تخلو الديار من الظباء، وعندي من كل ظبية تابعة من ظفر خيال خاذل من قولهم: ظبية خاذلة، إذا تخلفت عن صواحبها لأجل ولدها.
دُون التَّعانُقِ ناحِلينِ كَشَكْلَتيْ ... نَصْبٍ أدَقَّهُما وَضَمَّ الشَّاكل
قال الشيخ: نصب) ناحلين (على الحال من النون والألف في قوله) بنا (لأنه يعني نفسه، والتي ذكرها في النسيب) وضم (هاهنا لا يريد به الضم الذي هو شكل وإنما أراد ضم شكله بالنصب إلى مثلها، يريد أنه والمذكور قد دنا أحدهما من الآخر إلا أنهما دون التعانق لم يصلا إليه
الطيبُ أنْتُ أنْتَ إذَا أصابَكَ طِيبُهُ ... والمَاءَ أنْتَ إذا اغْتَسَلْتَ الغاسِلُ
قال ابن جني: نصب) الماء (لأنه معناه وأنت إذا اغتسلت الغاسل الماء إلا أن انتصابه الآن ليس على الغاسل، لأن الصلة لا تعمل فيما قبل الموصول ألا ترى أنه لا يجوز زيدا أنت الضارب، ولكنه منصوب بفعل مضمر يدل عليه الغاسل فكأنه قال وتغسل الماء إذا اغتسلت.
وقال الشيخ ﵀: الطيب مبتدأ وأنت مبتدأ والغاسل خبر أنت وهو على تقدير الهاء كأنه قال والماء أنت الغاسلة إذا اغتسلت.
ومن التي أولها: لا تحْسَبُوا رَبْعكُم ولا طَلَلَهْ قوله:
أُحِبُّهُ والهَوَى وأَدْؤُرَهُ ... وكُلُّ حُبّ صبَابَةٌ وَوَلَهْ
وقال ابن جني: يجوز أن يكون الهوى في موضع نصب، أي أحب هواه أيضا فيكون قريبا من قوله:
وإني لأَعْشَقُ مِنْ عِشْقِكُمْ ... نُحُولي وُكلَّ امْرِئ ناحِلِ
ويجوز أن يكون الهوى مجرورا، لأنه أقسم به، فكأنه قال والهوى إني لأحبه، كما قال البحتري:
1 / 75