كأنَّ شُعاعَ عَينِ الشَّمسِ فِيهِ ... ففي أبصَارِنا عَنْهُ انْكِسارُ
) ولا حده مما تجسُّ الأناملُ (أي هذا المسمى بالسيف لا يمكن أن تجسه الأنامل، لأنه إذا كان النظر لا يصل إليه، فبعد الأنامل أشد، والسيف المضروب يمكن أن يجس حده باليد، فقد تحير هذا الرسول في سيف ربيعة أصله يعني الممدوح وطابعه الرحمن أي خالقه، وهذا كقوله في الأخرى:
سَرَى السَّيْفُ مما تَطْبَعُ الهِنْدُ صَاحبي ... إلى السَّيفِ مَّما يَطْبَعُ الله لا الهندُ
كَرِيمُ متى اسْتُوهِبتَ ما أنْتَ رَاكبُ ... وقد لَقِحَتْ حَرْبُ فإنَّكَ باذِلُ
قال الشيخ ﵀: رفع كريمًا على تقدير قوله: أنت كريم ووصفه بأنه لو سئل ما هو راكب على ظهره في الحرب لوهبه للسائل و) لقحت الحرب (إذا كان أمر يهيجا، وإنما شبهت بالناقة اللاقح، وكانت العرب تضن في الحروب بأن يردف الرجل على الفرس، خوفًا أن يقصر عن حمل رجلين ومن ذلك قول الفرار السلمي:
عدمت أُناسًا بالحُلَيْلِ كأنَّما ... رئيسهمُ لَيثُ ببيشة أَفدعُ
كأنَّ ابنَةَ الشَقراءِ لما ابتذْلُتها ... بذي الرَّمث ظَبيُ في تُبالة أَخْضَعُ
غداةَ يقول القينُ هل أنتَ مُرْدِفي ... وما بينَ ظهرِ القينِ والرُّمحِ إصْبَعُ
فَقُلتُ له يا ابن الخَبيثَةِ إنّها ... بِربٍ خَفيفٍ وَاحدٍ هي أسرعُ
فإنْ يَكُ عَارًا يومً ذاكَ أتَيُته ... فِراري فذاكِ الجيش قد فَّر أجمعُ
ومن التي أولها: إن يكُنْ صَبُر ذِي الرَّزَّيةِ فَضلا قوله:
أنتَ يا فَوْقَ تُعَزَّي عَنِ ... الأحْبابِ فوْقَ الذي يُعَزيّكَ عَقْلا
قال الشيخ ﵀: قوله) يا فوق (يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون قد حذف النادي، لعلم السامع بما يريد، كأنه قال: أنت يا سيف الدولة أو يا ملك أو أمير ونحو ذلك، وحذف المنادى يكثر في شعر العرب كما قال الشاعر:
ألا يا اسلميَ ثم اسلَمي ثُمَّتَ اسلَمي ... ثلاث تحيّاتٍ وإنْ لم تَكَلَّمِي
والأخر: أن يكون جعل فوق نعتًا لسيف الدولة، فكأنه أخرجه من باب الظروف إلى باب الأسماء، وهذا القول أحسن في نقد الشعر، لأن) فوق (الأولى والثانية في الوجه الأول ظرفان، وفي الوجه الآخر الأول منهما اسم، والثاني ظرف ولو كان) فوق (في موضع رفع على هذا الوجه لرفع، فقيل أنت فوق أن تعزى وقد أدخلوا الباء على) فوق (، وأنشدوا بيتًا ينسبونه إلى سحيم عبد بني الحسحاس، وليس في ديوانه:
لقيتُ النساءَ الحارِثيات غُدوة ... بوجهٍ براهُ اللهُ غيرَ جَميلِ
فشبهنني كلبًا ولستُ بفوقه ... ولا دونه إن كانَ غيرَ بَخيلِ
قاسَمْتكَ المنَونُ شَخْصَينِ جَوْرًا ... جَعَلَ القَسْمَ نفسَهُ فيهِ عَدْلا
قال ابن فورجة: كانت أخته الصغرى مضت لسبيلها فرثاها بهذه القصيدة وبقيت الكبيرة، ثم ماتت فقال:
قدْ كانَ قاسمَكَ الشَّخْصَينِ دَهْرَهما ... وعاشَ دُرُّهُما المَفْديُّ بالذَّهَبِ
وَعادَ في طَلَبِ المَتْرُوكِ تارِكُهُ ... إنَّا لنَغْفُلُ والأَّيامُ في الطَّلَبِ
فنقول قاسمتك المنون هاتين الأختين، ظلمًا في هذه المقاسمة وجورًا، إلا أن القسمة جعلت نفسها في ذلك الجور من المنون عدلا؛ لأنها أخذت الصغير وتركت الكبيرة) وفيه (الهاء راجعة إلى الجور.
وزعم الشيخ أبو الفتح ابن جني أنه يجوز) فيك (بالكاف، وقال: يعني أنه جار في فعله إلا أنه إذا كنت أنت البقية فجوره عدل، وعندي أن هذه الرواية مضطربة لأنه لو أراد أن البقية أنت لما قال قاسمتك، وكان لا يقول شخصين، بل كان يقول: ثلاثة شخوص أحدهما سيف الدولة والآخر أختاه.
وَهُوَ الضَّاربُ الكَتِيبةِ والطَّعْنَةُ ... تَغْلُو والضَّربُ أغْلَى وأغْلى
قال الشيخ ﵀: يقول: الطعن وإن كان صعبًا على الطاعن فهو أيسر من الضرب؛ لأن بعد الطاعن من عدوه أكثر من بعد الضارب منه، كما أن الرامي أبعد من الطاعن، وقد رتب هذا الغرض زهير في قوله:
يطْعُنُهمْ ما ارْتَمَوْا حتى إذَا اطَّعَنُوا ... ضَاربَ حتى إذا ما ضارَبُوا اعَتَقاَ
ولو لم يكن للمتنبي غير هذه القصيدة في سيف الدولة لكان كثيرًا، وأين منها قصيدة البحتري التي أولها:
1 / 66