قال الشيخ ﵀: الرواية الصحيحة) ترد (بضم الراء، في ترد ضمير عائد على الفضيلة الثانية منصوبة بوقوع الرد عليها وهذا من التصنيف المبين لأن قوله) الشمس تشرق والسحاب كنهورا (بيان لقوله) وترى الفضيلة ولا ترد فضيلة (وذلك لأن الشمس لا تشرق إذا تراكم السحاب، ولأن السحاب لا يمطر إذا أشرقا الشمس، فإحدى الفضيلتين رادة للأخرى لأن المنفعة بالشمس عظيمة وكذلك المنفعة بالسحاب.
وكان ابن جني) ترد (بفتح الراء وضم التاء. والكنهور السحاب المتكاثف وإنما أخذ منه الكهر وهو غلظ الوجه.
وقال ابن فورجه: شبه طلعته لنورها بالشمس. وجوده لكثرته بالسحاب ويقول من عادة السحاب إذا اجتمع مع الشمس سترها، وفيك هاتان الفضيلتان لا ترد إحداهما الأخرى، فهما كالمتضادين اجتمعا فيك لا تنفي إحداهما الأخرى قد كرر هذا المعنى في مكان آخر:
قَمرًا نَرَى وسحَابَتَيْن بِموْضِعٍ ... مِنْ وَجْهِهِ ويَمِيِنه وَشِمالِه
وفي قصيدة أخرى:
شِمْنا ومَا حَجَبَ السَّماءُ بُرُوقَهُ ... وحَريً يَجُودُ وما مَرَتْهُ الرّيحُ
فهذا المعنى من الحسن والبيان على ما ترى.
وروى ابن جني: ترد بضم التاء وفتح الراء. وترى الفضيلة فيك مشرقة واضحة غير مشكوك فيها، كما ترى الشمس إنما أشرقت والسحاب إذا كان متكاثفًا، ونصب الشمس والسحاب بفعل مضمر كأنه قال: ترى برؤية فضائلك الشمس والسحاب، ويجوز أن ينصبها بدلًا من قبول غير مردودة فكأنه وترى فضائلك مثل الشمس والسحاب منيرة مشرقة ظاهرة بارزة، ونصب فضيلة على الحال أي نراها مستحقة لهذا الاسم ونشاهدها كذلك. ويجوز أن يكون التقدير ويرى الفضيلة فضيلة غير مردودة، ثم قدم وصف النكرة عليها، فأبدل النكرة منه، ونصبه على الحال منها ونصب كنهورًا على الحال وتشرق أيضًا في موضع الحال كأنه قال مشرقةً.
حرف الزاي
من التي أولها:
كَفِرِنْدي فِرِنْدُ سَيْفِي الجُرَازِ
قال الشيخ أبو العلاء ﵀: هذه الكلمات الست التي أولها أبجد وأخرها قريسيات بعضها موافق لكلام العرب وبعضها لا معنى له وقد ذكرت في الأشعار قال الراجز:
تَركتُهُم في مخْضِ وطْبٍ حازِر ... وفي أبي جادٍ وفي مُرَامِرِ
وقال آخر:
تَعلَّمتُ باجادٍ وآل مُرَامرِ ... وسَوَدتُ أثَوابي ولَسْتُ بِكاتِبِ
وقيل إنهم سموا أبا جلا آل مرامر من كتبها من العرب ثلاثة من أهل الأنبار يقال لأحدهم مرامر بن مردة وقال الراجز:
لمَا رأيتُ أمرَها في حُطَّي ... وَفَنكتْ في باطِلي ولَطَي
أخَذْتُ منها بُقرونٍ شُمْطِ ... حتى علا الرأسَ دَمُ يُغطِّي
وهواز موافقة لفظ مثل فوز فوز) وكلمون (قيل إنها أعجمية ولكنها موافقة لفظة أخذت من الكلم أو الكلام، وزيدت فيها الواو والنون. وأما) صعفص (فلا مذهب لها في كلام العرب وقد ذكرت في الشعر القديم أما) قريسات (فتوافق من كلام العرب فحل قراسية إذا كان مسنًا قويًا فيقال في جمعه قراسيات فإذا صغر هذا الجمع قيل قريسيات فقال الشاعر:
أتَيْتُ مُهاجِرينَ فَغَلَّمُوني ... ثلاثةَ أحرفٍ مُتَوالياتِ
وحَطُّوا لي أبا جادٍ وقالوا ... تَعَلَّمْ صَعْفَصًا وَقُرَيْسياتِ
وقال ابن فورجة: هذه الكلمات ألقت لحفظ العدد تأليفًا حسنًا تكتب بها الأعداد، فلا ينقطع عند وصل، ولا يتصل عند قطع، وقد زعموا أنها أسماء لله عزوجل، إلا أنها مشتركة للعرب والفرس والروم، وزعم السلامي الشاعر أنها أسماء الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرضين ذكر ذلك بإسناد له. وتشبيهه انعطافه الأسنة باستدارة هذه الحروف كتشبيه الحافر بالميم حيث يقول:
لَوْ مَرَّ يَرْكُضُ في سُطُورِ كتابَةٍ ... أحْصَى بِحافِرِ مُهْرِهِ مِيماتِهَا
وتشبيهه الحافر أيضًا بالعين في قوله:
أوَّلَ حَرْفٍ مِنِ اسمِهِ كَتَبَتْ ... سَنابِكُ الخَيْلِ في الجَلامِيدِ
إلا أن الجيد في تشبيه تعطف الرماح ما قاله الشيخ أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري حيث يقول:
وَتَعَطَّفَتْ لَعْبَ الصَّلالِ رِماحُهُمْ ... فالرُمّحُ عندَ اللَّهْذَمِ الرّعَّافِ
فلعب الحيات وتعطفها حسن في تشبيه استدارة الرمح إذا التوى وتعطف.
1 / 44