ومن التي أولها:
عَواذِلُ ذَاتِ الخالِ فِيَّ حَوَاسِدُ
يَرُدُّ يَدًا عَنْ ثَوبِها وَهو قادِرٌ ... وَيَعصِي الهَوَى في طَيفِها وَهو راقدُ
قال أبو الفتح: لو أمكنه في موضع قادر يقظان لكان حسنا، فلما لم يجد إليه سبيلا شحا على الوزن جاء بلفظ كأنه مقلوب راقد، وهو قادر، ليصرف اللفظان من التجانس على أن في البيت شيئا وهو أن الراقد قادرا أيضا، لأنه لا يتحرك في نومه ويصيح، ولكن لما كان ذلك عن غير قصد وإرادة صار كأنه غير قادر ومعنى البيت لأنه يعصي الهوى في منازعته إياها راقدا ويقظان يصف نفسه بالنزاهة.
متى يَشتَفي من لاعِجِ الشَّوقِ في الحَشَى ... مُحِبٌ لَها في قُربِهِ مُتباعِدُ
قال ابن جني: يقول تشتفي مما بك، وأنت كلما قدرت عليها امتنعت منها، ولاعج الشوق أشد حرقة.
تَثَنَّى على قَدرِ الطّعِانِ كأنَّما ... مفَاثِلُها تحتَ الرّماحِ مَرَاوِدُ
قال أبو العلاء: يريد أنها كالتي تعلم ما يراد منها، فهي تتقي الطعن كما يتقيه الفارس، وهذه من الدعوى المستحيلة، ويجوز أن يريد أنها تطيعه إذا ثناها بجهة من خوف الطعن، وشبه مفاصل الفرس بالمراود لأن المرود من شأنه أن ديور ويتصرف وهو من راد يريد إذا ذهب وجاء.
قال ابن فورجة: ما غرض الشيخ أبو الفتح لنفسه هذا البيت، وقد ذكر القاضي أبو الحسن أنه من الشعر الذي لا عيب فيه وزعم أنه مقلوب. وإنما يصح المعنى لو قال كأنما الرماح تحت مفاصلها مراود. وشبه هذا بقولهم: طلع الجوزاء وأنتصب العود على الحرباء. وقول الشاعر: كأنَّنا رعنُ قفٍ يَرفع الآلا وعنده أن المراود جمع مرود ميل المكحلة. وعندي أن المراود في هذا البيت هو المسمار الذي فيه حلقة يدور فيه. لفظة أظنها مولدة، وقد استعملها بعض المحدثين ممن تأخر عن أبي الطيب إلا أنه جود ما شاء هو.
ألِميّ بعَرافِ النَقا وتَيمَّنِي ... مَهبَ النَعامَى واجعَليِ الليل مروَدَا
ألا ترى أنه لا يصح معنى هذا البيت، إلا أن يكون المرود تدور حلقته كيف ما أديرت، يريد لين انعطافه في الميدان وعند الطراد، وليس يريد كون الرمح في مفاصلها إذا طعنت، ولو كان أراد ذلك لما قال تحت الرماح لأن المفاصل إذا طعنت حصل الرمح فيها وحصل بعض المفاصل وبعضها تحتها فلا معنى إذا لقوله تحت الرماح. والمعنى الذي ذهب إليه القاضي أبو الحسن غير حسن ولا غريب، يريد كأن الرماح في مفاصله أميال الكحل، يفعل الميل فيها فعل الميل في العين. وهذا رديء ممتنع بشيء آخر، وهو أنه خص المفاصل وليس كل الطعن في المفاصل وليست هي أيضا بمقاتل فلا معنى لتخصيصها، وكان الأولى لو أراد ذلك أن يقول: فرائصها تحت الرماح أو جواشنها، أما الفرائص فأنها مقاتل وأما الجواشن فلأنها مستقبلة العدو، ويمتنع أيضا ما ذهب إليه لقوله) تثنى على قدر الطعان (فإذا كانت الرماح في مفاصلها كالأميال في الجفون فما حاجته إلى تثنيها، وما الحاجة إلى قوله على قدر الطعان وإنما يقول تثني في الطعان أن كان على بعد منها أو على قرب، فأن التثني مع قرب الطعنة ممتنع جدا، وليس كل الخيل تفعل ذلك ألا ترى إلى قول القائل يصف فرسا:
تُنَكَسهُمْ والسَّابِقاتُ جِبالُهُمْ ... وَتَطعُنُ فِيهم والرّماحُ المَكايِدُ
قال ابن جني: جعل الجبال كالخيل، وتنكسه إياهم عنها إنزالهم من الجبال للقتل والأسر، وتقيم مكايده إياهم مقام الرماح التي تطعنهم.
وَمِنْ شَرَفِ الإقدامِ أنَّكَ فِيهُمُ ... على القَتلِ مَومُوقٌ كَأنَّكَ شاكِدُ
قال أبو العلاء: الشاكد المعطي من غير مسألة. وقيل هو الذي يعطي ولا يريد عوضا. وادعى لسيف الدولة أن الروم تمقته مع ما يفعل بهم من القتل والأسر وذلك من الدعوى الباطلة.
وقال الأحسائي: يقول أن من فضل الإقدام وشرفه أن الشجاع محمود عند أعدائه، وأنه إذا قتل كبيرا منهم لم يكن هجنة على قومه بل يفتخرون فيقولون ما قتله إلا شجاع، ولولا شجاعته ما بارزه ووافقه وأن المنهزم منك المروع يكثر مدحك وغرضه إقامته العذر في هزيمته منك.
وأنت أبو الهَيجا بنُ حَمدانَ يا أبنَهُ ... تشابَهَ مَولُودٌ كَريمٌ وَوالِدُ
وحَمدانُ حُمدونُ حارِثٌ ... وحارِثُ لُقمانُ وَلُقمانُ رَاشِدُ
1 / 22