La guía del intelecto sano hacia las virtudes del Libro Noble
تفسير أبي السعود
Editorial
دار إحياء التراث العربي
Ubicación del editor
بيروت
Géneros
Exégesis
البقرة (٥٧ - ٥٥)
لما قبله أيْ إنَّ الذي يُكثر توفيقَ المذنبين لتوبة ويبالِغُ في قبولها منهم وفي الإنعام عليهم
﴿وإذ قلتم يا موسى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ﴾ تذكيرٌ لنعمة أخرى عليهم بعد ما صدرَ عنهم ما صدر من الجناية العظيمةِ التي هي اتخاذُ العجل أي لن نؤمنَ لأجل قولِك ودعوتِك أو لن نُقرَّ لك والمؤمَنُ به إعطاءُ الله إياه التوراةَ أو تكليمَه إياه أو أنه نبيٌّ أو أنه تعالى جعل توبتَهم بقتلهم أنفسَهم
﴿حتى نَرَى الله جَهْرَةً﴾ أي عيانًا وهي في الأصل مصدرُ قولِك جهَرتُ بالقراءة استُعيرت للمعاينة لما بينهما من الاتحاد في الوضوح والانكشافِ إلا أن الأولَ في المسموعات والثاني في المُبْصَرات ونصبُها على المصدرية لأنها نوع من الرؤية أو حالٌ من الفاعلِ أو المفعول وقرئ بفتح الهاء على أنها مصدر كالغَلَبة أو جمعٌ كالكَتَبة فيكون حالًا من الفاعل لا غير والقائلون هم السبعون المختارون لميقات التوبةِ عن عبادة العجل روُي أنهم لما ندِموا على ما فعلوا وقالوا لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا ويغفرْ لنا لنكونن من الخاسرين أمر الله موسى ﵇ أن يجمع سبعين رجلًا ويحضُرَ معهم الطورَ يُظهرون فيه تلك التوبةَ فلما خرجوا إلى الطور وقع عليه عمودٌ من الغمام وتغشاه كله فكلم الله موسى ﵇ يأمره وينهاه وكان كلما كلمه تعالى أوفع على جبهته نورًا ساطعًا لا يستطيع أحدٌ من السبعين النظرَ إليه وسمِعوا كلامَه تعالى معَ مُوسى ﵇ افعل ولا تفعل فعند ذلك طمِعوا في الرؤية فقالوا ما قالوا كما سيأتي في سورة الأعراف إنْ شاءَ الله تعالى وقيل عشرة آلاف من قومه
﴿فَأَخَذَتْكُمُ الصاعقة﴾ لفرط العنادِ والتعنّتِ وطلب المستحيل فإنهم ظنوا أنه ﷾ مما يشبه الأجسامَ وتتعلق به الرؤيةُ تعلُّقَها بها على طريق المقابلة في الجهات والأحياز ولا ريبَ في استحالته إنما الممكنُ في شأنه تعالى الرؤيةُ المنزهة عن الكيفيات بالكلية وذلك للمؤمن ين في الآخرة وللأفرادِ من الأنبياء الذين بلغوا في صفاء الجوهر إلى حيث تراهم كأنهم وهم في جلابيبَ من أبدانهم قد نَضَوْها وتجرّدوا عنها إلى عالم القدس في بعض الأحوال في الدنيا قيل جاءت نارٌ من السماء فأحرقتهم وقيل صيحة وقيل جنودٌ سمعوا بحسيسها فخرّوا صعِقين ميتين يومًا وليلة وعن وهْبٍ أنهم لم يموتوا بل لما رأَوْا تلك الهيئة الهائلةَ أخذتهم الرعدةُ ورَجَفوا حتى كادت تبِينُ مفاصلُهم وتنقضُّ ظهورُهم وأشرفوا على الهلاك فعند ذلك بكى موسى ﵇ ودعا ربه فكشف الله ﷿ عنهم ذلك فرجعت إليهم عقولُهم ومشاعرُهم ولم تكن صعقةُ موسى ﵇ موتًا بل غَشْيةً لقوله تعالى ﴿فلما أفاق﴾
﴿وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ﴾ أي ما أصابكم بنفسه أوبآثاره
﴿ثُمَّ بعثناكم مّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾ بتلك الصاعقة قيدُ البعثُ به لما أنه قد يكون من الإغماء وقد يكون من النوم كما في قوله تعالى ﴿ثُمَّ بعثناهم لِنَعْلَمَ﴾ الخ
﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أي نعمةَ البعث أو ما كفرتموه بما رأيتم من بأس الله تعالى
﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغمام﴾ أي جعلناها بحيث تُلقي عليكم ظلَّها وذلك أنه تعالى سخر
1 / 103