بالإقامة على همة النفس والسكون إلى تدبيرها، وتبنا عن الرجوع إليه، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا [الأعراف: ٢٣] أي في الدنيا وَتَرْحَمْنا [الأعراف: ٢٣] في ما بقي من أعمارنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ [الأعراف: ٢٣] أي من الأشقياء المعذبين في الآخرة، فكانت هذه الكلمات التي قال الله تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [٣٧] . وروي عن النبي ﷺ أنه قال: «قال آدم لموسى ﵉: بكم تجد الخطيئة كتبت عليّ من قبل أن أخلق؟ قال: بأربعين ألف عام. قال النبي ﷺ: فحج آدم وموسى ﵉» «١» .
وسئل عن قوله: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ [٣٠] فقال: أي نطهر أنفسنا بقولنا ما ألهمتنا تفضلًا منك علينا، تباركت ربنا.
[سورة البقرة (٢): الآيات ٤٠ الى ٤٢]
يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢)
وسئل عن قوله: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [٤٠] ما هذه الرهبة التي أمرهم بها؟ فقال: أراد موضع نور النفس من بصر القلب والمعرفة من كلية القلب، لأن المكابدة والمجاهدة في الإيمان، فإذا سكن القلب من التقوى إلى الغير انكشف نور اليقين، ووصل العبد ساكنًا بالإيمان لله توحيدًا على تمكين. أعني سكون قلبه إلى مولاه، فصار نور اليقين يكشف عن علم اليقين، وهو الوصول إلى الله تعالى، فلا ذلك اليقين بنور اليقين إلى عين اليقين ولا مخلوق، لأنه نور من نور ذات الحق، لا بمعنى الحلول، ولا بمعنى الجمع، ولا بمعنى الاتصال، ولكن معنى اتصال العبد بمولاه من موضع توحيده وطاعته بالله ورسوله، فعلى قدر قوته من البصر بالله يدرك التقوى لله والرهبة إياه. وأصل التقوى: مباينة النفس، فيباينها في ذلك، ولا يساكنها شيئًا من ملاذ هواها، ولا ما تدعوه إليه من حظوظها التي لم تتعذر فيها. اعلم أن الناس يتفاضلون في القيامة على قدر نور يقينهم، فمن كان أوزن يقينًا كان أثقل ميزانًا، وكان من دونه في ميزانه. قيل: بِمَ تعرف صحة يقين العبد؟ قال: بقوة ثقته بالله تعالى، وحسن ظنه به، فالثقة بالله مشاهدة باليقين، وعين اليقين وكليته وكماله ونهايته الوصول إلى الله ﷿.
فقيل له: ما معنى قوله: وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ [٤١] قال «٢»: أراد بذلك موضع علمه السابق فيهم، أي لا تأمنوا المكر والاستدراج، فتسكن قلوبكم إلى ملاحظة سلامتكم في الدنيا مع الإقامة على التقصير، وإلى حلمي عنكم في المعاجلة لكم في نفس أمنكم واغتراركم وغفلتكم فتهلكوا. وقال النبي ﷺ «لو زاد في اليقين عيسى بن مريم لمشى على الهواء كما مشى على الماء» «٣»، وقد مشى نبينا محمد ﷺ ليلة الإسراء على الهواء لقوة نور يقينه التي أعطاه الله تعالى
_________
(١) صحيح البخاري: كتاب الأنبياء، باب وفاة موسى، حديث رقم ٣٢٢٨ والسنن الكبرى ٦/ ٣٩٤.
(٢) حلية الأولياء ١٠/ ١٩٩. [.....]
(٣) كتاب الزهد الكبير ٢/ ٣٥٧.
1 / 30