50
{ وإذ فرقنا بكم } لأجلكم يا بنى إسرائيل ، أو بسببكم ، أو شبه سلوكهن بالآلة فى كونه واسطة فى حصول الفرق ، فكانت الباء ، نفى ذلك استعارة تبعية ، والفرق مقدم على السلوك فيه ، لقوله تعالى { فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم } وما قيل من أنه فرق شيئا نشيئا بسلوكهم لا يصح { البحر } لتسلكوه وتنجوا من عدوكم ، بحر القلزم فرقا مستديرا راجعا إلى جهة المدخل ، وكان عرضه فى ذلك المحل أربعة فراسخ ، فيستبعد السلوك فيه على ذلك الطول بلا تقويس ، فيحتاجون إلى رجوع فى سفن مع كثرتهم ، وقيل النيل فرقا على سمت ، ويسهل رجوعهم فى سفن ، أو على استدارة وتقويس إلى جهة المدخل ، وهو أولى ويهلك عدوكم { فأنجيكم } من عدوكم ومن الغرق { وأغرقنا ءال فرعون } المراد فرعون وآله ، أى هذا الجنس الشامل لفرعون وآله ، لقوله تعالى { ولقد كرمن بنى آدم } أى جنس البشر الشامل لآدم وذريته ، أو آل فرعون هو فرعون ، وأما قومه فأتباع له وذكر بالغرق فى آى أخر ، وذلك كقوله A مزامير آل داود أى مزامير داود ، وكان الحسن البصرى يقول : اللهم صل على آل محمد بدل اللهم صلى على محمد ، وذلك أن ما للإنسان يكون لأهله ، تحقيقا أو فخرا ، وأيضا إذا أغرق أهله فهو أولى ، لأنه رأسهم ، وبه ضلوا ، وناسب نجاة موسى من الغرق ونجانه منه حين ألفى فيه طفلا ، وللأمة نصيب مما لبنيها ، وفرعون غرق بالماء إذ فاخر به فى قوله { وهذه الأنهار تجرى من تحتى } ولقومه نصيب مما قاله ، وكما عجل الموت بأنهار الدم عجل موته بالغرق ، والموت به شديد . ولذلك كان الغريق شهيدا { وأنتم تنظرون } بعد خروج أولهم ، وبنو إسرائيل يومئذ ستمائة وعشرون ألفا ليس فيهم ابن عشرين لصغره ، ولا ابن ستين لكبره ، وأنهم بقوا فى مصر ، وكانوا يوم دخلوا مصر مع يعقوب عليه السلام اثنين وسبعين إنسانا ، ما بين رجل وامرأة ، وبين يعقوب وموسى عليهما السلام ألف سنة ، وقيل أربعمائة ، بارك الله فى ذلك النس وهم عدا من مات ، ومن ذبح وآل فرعون أل ألف وسبعمائة ألف ، وفيهم من دهم الخيل سبعون ألفا ، وإسناد النظر إذا كان بمعنى بالعين إنما هو للمجموع ، لأنه إنما يرى الغرق ، أو أجبر بنى إسرائيل الذين يقربون من البحر ، وإن فسرناه بالعلم ، فهو لكل واحد ، وفى المشاهدة نعمة زائدة ، وإن فسرنا النظر ينظر بعض إلى بعض من أكلوا حين استوحشوا ، فأشار بالعصا فكانت أكلوا ، فالأمر ظاهر كلن على هذا تتعلق الجملة بأنجيناكم أو بفرقنا لا بأغرقنا .
Página 61