247
{ وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت } اسمه شاول بن قيس { ملكا } كما طلبتم ، أن أبعث لكم ملكا ، وهذا القول مقدم نزولا ولو تأخر تلاوة ، وطالوت عبرانى ، ولو كان فعلوت من الطول بفتح العين لشدة طوله ، وأصله طولوت بفتح الواو قلبت ألفا لتحركها بعد فتح لصرف ، لانفراد العلمية ، ولا يصح أنه منع الصرف لشبه العجمة ، لأن رهبوتا ورغبوتا وحموتا وملكوتا ونحوهن يصرفن ، ولا يصح أنه معدول عن الطوال أو الطويل إذ لا يعرف العدل عن ذلك ، بل عن فاعل ، ولا تعسف فى أنه عبرى وافق العربية فى معنى الطول ، ممتنع للعجمة والعلمية كما صدرت به ، وقيل : عربى منع الصرف للعلمية وشبه العجمة ، إذ ليس ذلك من أوزان العربية الغالبة . كان جالوت ومن معه من العمالقة يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين وظهروا على بنى إسرائيل وأخذوا ديارهم وسبوا أولادهم ، وضربوا الجزية عليهم وأبو العمالقة عمليق بكسر العين أو عملاق بكسرها ، ابن لاود بن إرم بن سام ابن نوح ، ولما دعا الله نبيهم أن يجعل لهم ملكا أمره ملك أن يقلب إناء الدهن الذى فى بيته على رأس طالوت فيكون كالإكليل على رأسه على استواء ، فكان كذلك إمارة لما أخبروا من كونه ملكا أو أوحى إليه أنه إذا انتشى الدهن فى القرن لدخول رجل فهو ملك بنى إسرائيل ، فادهن رأسه به وملكه عليهم ، أو أتى بعصا طويلة من ساواها فهو الملك ، فساواها ولا ضعف فى ذلك ، لأن الله D أراد أن يبين الملك بالعلامة ليطمئنوان ولو كان قول النبى كافيا ، روى أنه ضل لطالوت دابة ، فخرج يطلبها وقال له غلامه ، ندخل على هذا النبى ، لعله يرشدنا ، فقال ، نعم ، فدخلا ، فكان ما ذكر من العصا والدهن ، ولا بأس بهما معا { قالوا أنى } من أين { يكون له الملك علينا } مع أنه فقير راع ، أو سقاء أو دباغ ، من أولاد بنيامين شقيق يوسف ، ولم تكن النبوة ولا الملك فى أولاد بنيامين ، والنبوة فى أولاد لاوى بن يعقوب ، والملك فى أولاد يهوذا { ونحن أحق بالملك منه } لأنا من أولاد لاوى وأولاد يهوذا وليس هو منهم ، لأن من كان من أهل النبوة ، ولو كان من غير بيت الملك ، أولى ممن ليس من أهل الملك ولا من أهل النبوة ، ولأنه ضيق المال كما قالوا { ولم يؤت سعة من المال } وسعنا منه ، فرد الله عليهم بأن المعتبر اصطفاء الله ، وقد اصطفاه كما قال { قال } نبيهم { إن الله اصطفه عليكم } والله يعلم الصالح ، وبأنه أعلم منكم جميعا وأجمل ، والأعلم أمكن من معرفة أمور السياسة ، وبأنه أعظم جسما مع قوة قلبه بالعلم ، فهو أليق بالحروب وأهيب للعدو كما قال { وزاده بسطة فى العلم والجسم } وكان القائم يمد يده ، فينال رأسه ، ويقال ، كان أطول من غيره برأسه ومنكبيه ، وبأن الله المعطى المانع ، وقد أعطاه الملك كما قال { والله يؤتى ملكه من يشآء } وبأن الله واسع الفضل فقد يغنيه ، وبأنه العالم بمن يليق بالملك كما قال { والله وسع عليم } ولا يضر أنه فقير أو دنىء الرتبة عندكم ، ملاك الأمر اصطفاء الله ، وقد اصطفاة ، والعمدة وفور العلم ، والملك لله ، فله أن يعطى ملكه من يشاء ، وهو واسع الفضل يوسع على على الفقير فيغنيه ، وقدم البسطة فى العلم على البسطة فى الجمس لأن الفضائل النفسية أشرف من الفضائل الجسمية .
Página 297