انتهى.
فصل
[الانسان الكامل هو العبد الحقيقي]
اعلم يا وليي - نور الله قلبك بالايمان - أن أكثر الناس لا يعبدون الله من حيث هو الله، وإنما يعبدون معتقداتهم في ما يتصورونه معبودا لهم، فآلهتهم في الحقيقة أصنام وهمية يتصورونها وينحتونها بقوة اعتقاداتهم العقلية أو الوهمية، وهذا هو الذي أشار إليه عالم من أهل البيت (عليهم السلام) وهو محمد بن علي الباقر (عليه السلام): كلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مصنوع مثلكم مردود إليكم - الحديث.
اي فلا يعتقد معتقد من المحجوبين الذين جعلوا الإله في صور معتقدهم فقط إلها، إلا بما جعل في نفسه وتصوره بوهمه، فإلهه بالحقيقة مجعول لنفسه، منحوت بيد قوته المتصرفة، فلا فرق بين الأصنام التي اتخذت إلها وبينه في أنه مصنوع لنفوس، سواء كانت في خارجها أو في داخلها ، بل الأصنام الخارجية أيضا إنما عبدت من جهة اعتقاد الألوهية من عابدها في حقها، فالصور الذهنية معبودة لهم حينئذ بالذات، والصورة الخارجية معبودة لهم بالعرض، فمعبود عبدة الأصنام كلهم ليست إلا صور معتقداتهم وأهواء أنفسهم، كما أشير إليه في قوله تعالى:
أفرأيت من اتخذ إلهه هواه
[الجاثية:23]. فكما أن أصحاب الأصنام الجسمية يعبدون ما عملته أيديهم، فكذلك أصحاب الإعتقادات الجزئية في حق الحق يعبدون ما كسبته أيدي عقولهم، فحق عليهم وعلى معبودهم قوله:
أف لكم ولما تعبدون من دون الله
[الأنبياء:67]. وكذا قوله: { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم }.
وابن الزبعري لقصوره عن إدراك هذا المعنى، اعترض على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنه قد عبدت الملائكة والمسيح، ولم يعلم هو ومن في مرتبته إن معبود عبدة الملائكة والمسيح هو من عمل الشيطان، وأما الكمل من العرفاء، فهم الذين يعبدون الحق المطلق المسمى باسم الله من غير تقييد باسم خاص وصفة مخصوصة، فيتجلى لهم الحق المنعوت بجميع الأسماء، وهم لا ينكرونه في جميع التجليات الأسمائية والأفعالية والآثارية، بخلاف المحجوب المقيد الذي يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن اصابته فتنة انقلب على وجهه.
Página desconocida