[الأعلى:1]. وقوله:
تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام
[الرحمن:78]، مستبعد أن يكون المراد به الحرف والصوت وما يلتئم منهما، لانهما من عوارض الأجسام، وما هو كذلك يكون أخس الأشياء، فكيف يكون مسبحا مقدسا، والقول بكونه من قبيل مجاز الحذف، أو المجاز في التشبيه، بعيد من غير ضرورة داعية مع وجود معنى حقيقي، فاسم الله عندهم معنى مقدس عن وصمة الحدوث والتجدد، منزه عن نقيصة التكون والتغير، فلهذا وقعت الاستعانة والتبرك باسمه تعالى في مثل قولك: باسم الله اقرء وبسم الله اكتب، وجرت العادة بالتوسل إلى اسم الله لطلب الحوائج وكفاية المهمات، في مثل: بسم الله الشافي بسم الله الكافي، وفي الأدعية النبوية: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء.
وقد ثبت عند محققي العلماء، أن المؤثر في جواهر الأكوان ليس إلا الباري جل اسمه، أو ملك مقرب من ملائكته بإذنه، فلا تأثير للعوارض الجسمانية في الأشياء الجوهرية ايجادا وإعداما، نعم الأذكار والأدعية إنما تؤثر من جهة معانيها واتصال النفس عند التذكر بمباديها الفعالة، فعالم الذكر الحكيم منبع إنجاح المهمات، ومبدأ استيجاب الدعوات، لا مقارعة الحروف والأصوات، وتحرك الشفتين بالالفاظ والعبارات، وقد مر في المفاتيح ما يكشف عن بعض الأسرار المتعلقة بأسماء الله.
فصل
[اسم الله تعالى]
فاسم الله عند أكابر العرفاء، عبارة عن مرتبة الالوهية الجامعة لجميع الشؤون والاعتبارات، والنعوت والكمالات، المندرجة فيها جميع الأسماء والصفات التي ليست إلا لمعات نوره وشؤون ذاته وهي أول كثرة وقعت في الوجود، برزخ بين الحضرة الأحدية وبين المظاهر الأمرية والخلقية، وهذا الاسم بعينه جامع بين كل صفتين متقابلتين أو اسمين متقابلين، لما علمت سابقا أن الذات مع كل صفة اسم، وهذه الأسماء الملفوظة أسماء الأسماء، والتكثر فيها بحسب تكثر النعوت والصفات، وذلك التكثر إنما يكون باعتبار مراتبه الغيبية وشؤونه الإلهية التي مفاتيح الغيب، وتقع عكوسها وأظلالها على الأشياء الكونية.
فكل ما في عالم الإمكان صورة اسم من أسماء الله، ومظهر شأن من شؤونه، فأسماء الله معان معقولة في غيب الوجود الحق، بمعنى ان الذات الأحدية التي لا سبيل للعقل إلى إدراكها، بحيث لو وجدت في العقل، أو أمكن له أن يلحظها، لكان ينتزع منها هذه المعاني ويصفها بها فالذات الأحدية مع أحديتها وبساطتها مصداق لحمل هذه المعاني عليها من غير وجود صفة زائدة كما مر.
وهذه المعاني - كسائر المفهومات الكلية - ليست من حيث هي هي موجودة ولا معدومة، ولا عامة ولا خاصة، ولا كلية ولا جزئية، وليست هي كالهويات الوجودية التي هي موجودات بذواتها، متشخصات بهويتها، لأنها بمنزلة الأشعة والروابط لوجود الحق، متى عقلت عقلت مرتبطة بذاته تعالى، موجودة بوجوده، واجبة بوجوبه، بخلاف المعاني الكلية، لأنها قد تصير كلية في الذهن جزئية في الخارج، وقد تكون موجودة في العقل معدومة في العين، ولها الحكم والأثر فيما له الوجود العيني، بل تنسحب عليها أحكام الوجود بالعرض، وتتنور بنوره، وتنصبغ بصبغه من الوجوب والوحدة والأزلية.
قال بعض أهل الله: الوجود الحق هو الله خاصة من حيث ذاته وعينه، لا من حيث أسمائه، لأن الأسماء لها مدلولان: أحدهما: عينه، وهو عين المسمى. والآخر: ما يدل عليه مما ينفصل الإسم به عن اسم آخر ويتميز في العقل، فقد بان لك بما هو كل اسم عين الآخر وبما هو غيره، فبما هو عينه، هو الحق، وبما هو غيره، هو الحق المتخيل الذي كنا بصدده، فسبحان من لم يكن عليه دليل سوى نفسه، ولا يثبت كونه إلا بعينه - انتهى كلامه.
Página desconocida