وكيف لا يكون لها الشرف وهي منفوخة من روح الله، فهي من العالم الأشرف الملكي الروحاني، عالم الطهارة. فلا فرق بين النفس الناطقة الموجودة لكل أحد، وانها ما عصت، وإنما النفس الحيوانية ما ساعدتها على ما طلبت منها، وان الحيوانية خوطبت بالتكليف فتتصف بطاعة أو معصية.
فاتفق أن كانت جموحا اقتضاه طبعها لمزاج خاص، فاعل ذلك. وان الله يعم برحمته الجميع لأنها سبقت غضبه لما تجاريا الى الانسان " انتهى كلامه.
وقال في الباب الخامس وثلثمائة من الفتوحات أيضا: واعلم أن من الأحوال التي هي الأمهات من هذا الباب.... أحوال الفطرة التي فطر الله الخلق عليها، وهو أن لا يعبدوا إلا الله، كما قال:
وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه
[الإسراء:23] فبقوا على تلك الفطرة في توحيد الله، فما جعلوا مع الله مسمى آخر هو الله بل، جعلوا آلهة على طريق القربة الى الله، ولهذا قال:
قل سموهم
[الرعد:33]، فإنهم إذا سموهم بان أنهم ما عبدوا إلا الله، فما عبد عابد إلا الله في محل الذي نصب الألوهية له، فصح بقاء التوحيد لله الذي أقروا به في الميثاق، وان الفطرة مستصحبة.
والسبب في نسبة الألوهية لهذه الصور المعبودة؛ هو أن الحق لما تجلى لهم في أخذ الميثاق، تجلى لهم في مظهر من المظاهر الإلهية، فذلك الذي أجرأهم على أن يعبدوه في الصور.
ومن قوة بقائهم على الفطرة، أنهم ما عبدوه على الحقيقة في الصور، وإنما عبدوا الصور لما تخيلوا فيها من رتبة التقرب كالشفعاء، وهاتان الحقيقتان إليهما مال الخلق في الدار الآخرة، وهما الشفاعة والتجلي في الصور على طريق التحول.
فإذا تمكنت هذه الحالة في قلب الرجل، وعرف من العلم الإلهي ما الذي دعى هؤلاء الذين صفتهم هذا وانهم تحت قهر ما إليه يؤولون، تضرعوا الى الله في الدياجير، وتملقوا له في حقهم وسألوه أن يدخلهم في رحمته إذا أخذت منهم النقمة حدها، وإن كانوا عمار تلك الدار فيجعل لهم فيها نعيما به إذا كانوا من جملة الأشياء التي وسعتهم الرحمة العامة، وحاشى الجناب الإلهي من النقمة وهو القائل بأن رحمته سبقت غضبه، فلحق الغضب بالعدم فإن كان شيئا فهو تحت إحاطة الرحمة الإلهية الواسعة.
Página desconocida