284

ونتجاوز عن سيئاتهم

[الأحقاف:16] مع انه توعد على ذلك.

وقال في الفص اليونسي من فصوص الحكم بعدما بين فضيلة الإنسان وشرفه بهذه العبارة: " ولا بد أن يكون في الإنسان جزء يذكر الحق به، ويكون الحق جليس ذلك الجزء، فيحفظ باقي الأجزاء بالعناية، وما يتولى الحق هدم هذه النشأة بالمسمى موتا، فليس بإعدام، وإنما هو تفريق، فيأخذ اليه وليس المراد إلا أن يأخذه الحق اليه، واليه يرجع الأمر كله، فإذا أخذه الحق اليه، سوى له مركبا من جنس الدار التي ينتقل اليها، وهي دار البقاء لوجود الاعتدال، فلا يموت أبدا، أي لا تفترق أجزاؤه، وأما أهل النار، فمآلهم الى النعيم، ولكن في النار، إذ لا بد لصورة النار بعد انتهاء مدة العذاب أن تكون بردا وسلاما على من فيها، وهذا نعيمهم، فنعيم أهل النار بعد استيفاء الحقوق نعيم خليل الله (عليه السلام) حين ألقي في النار " - انتهى.

وقال في الباب الثامن والخمسين " وأما كتاب الفجار ففي سجين، وفيه أصول السدرة التي هي شجرة الزقوم فهناك تنتهي أعمال الفجار في أسفل السافلين، فإن رحمهم الرحمن من عرش الرحمانية بالنظرة التي ذكرناها، جعل لهم نعيما في منزلهم فلا يموتون فيه ولا يحيون، فهم في نعيم النار دائمون مؤبدون كنعيم النائم بالرؤيا التي يراها في حال نومه من السرور، وربما يكون في فراشه مريضا ذا بؤس وفقر، ويرى نفسه في المنام ذا سلطان ونعمة وملك.

فإن نظرت الى النائم من حيث ما يراه في منامه ويلتذ به، قلت: إنه في نعيم وصدقت، وإن نظرت إليه من حيث ما تراه في فراشه الخشن ومرضه وبؤسه وفقره وكلومه، قلت: إنه في عذاب.

هكذا يكون أهل النار، (لا يموت فيها ولا يحيى) أي لا يستيقظ أبدا من نومته، فتلك (هي) الرحمة التي يرحم الله بها أهل النار الذين هم أهلها وأمثالها، كالمحرور منهم يتنعم بالزمهرير، والمقرور منهم يجعل في الحرور.

وقد يكون عذابهم توهم وقوع العذاب بهم، وذلك كله بعد قوله:

لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون

[الزخرف:75] ذلك زمان عذابهم وأخذهم بجرائمهم قبل أن تلحقهم الرحمة التي سبقت الغضب الإلهي، فإذا اطلع أهل الجنان في هذه الحالة على أهل النار ورأوا منازلهم في النار، وما أعد الله فيها، وما هي عليه من قبح المنظر، قالوا: معذبون، وإذا كوشفوا على الحسن المعنوي الإلهي في خلق ذلك المسمى قبحا ورأوا ما هم فيه من نومتهم، وعلموا أحوال أمزجتهم، قالوا: منعمون، فسبحانه القادر على ما يشاء، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، فقد فهمت قول الله تعالى:

لا يموت فيها ولا يحيى

Página desconocida