269

[الأعراف:156].

وعندنا أيضا أصول دالة على أن الجحيم وآلامها وشرورها دائمة بأهلها، كما أن الجنة ونعيمها وخيراتها دائمة بأهلها، إلا ان الدوام في كل منهما على معنى آخر، ولكل من الدارين عمار من أهلها. ولهذا المقام شروح كثيرة وتحقيقات لطيفة واستبصارات شريفة، ذكرنا طرفا منها في آخر سورة الفاتحة، وشطرا صالحا في كتاب الشواهد الربوبية، وسنستقصي القول فيها في مواضع متفرقة من هذا التفسير، إن ساعدتني المشية الإلهية النافذة في التقدير، وفيما ذكرنا كفاية ها هنا، ولنرجع الى ما نحن بصدده، مستعينين بالله وتوفيقه وتسديده.

[2.7]

لما وصف الله تعالى الكفار بأخص صفاتهم التي كانوا عليها، وهو عدم تأثرهم عند الانذار والنصيحة، والتهذيب والتعليم للإيمان، بين في هذه الآية السبب الذي لأجله لا ينجع فيهم الانذار ولا يؤثر فيهم التعليم، وهو الختم على القلوب، للقساوة والفظاظة الأصلية، والغشاوة على الأسماع والأبصار، للصمم والبكم الفطرية. وأنت تعلم أن نظام الدنيا لا ينصلح إلا بنفوس غليظة، وقلوب قاسية، وطبائع جاسية.

فلو كان الناس كلهم سعداء بنفوس خائفة من عذاب الله، وقلوب خاشعة خاضعة لآياته، وطبائع لطيفة منفعلة، لاختل النظام بعدم القائمين بعمارة هذه الدار من النفوس الغلاظ الشداد، كالفراعنة والدجاجلة، والنفوس المكارة كشياطين الانس، والنفوس البهيمية كجهلة الكفار.

وفي الحديث الرباني: إني جعلت معصية آدم سببا لعمارة العالم، وقال سبحانه:

ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين

[السجدة:13].

فكون الناس على طبقة واحدة، ينافي الحكمة والعناية، وهو إهمال سائر الطبقات الممكنة الوجود في مكمن الإمكان، من غير أن تخرج من القوة الى الفعل، وخلو أكثر مراتب هذا العالم عن أربابها، فلا يتمشى النظام، ولا تنصلح العمارة إلا بوجود الأمور الخسيسة والنفوس الدنية المحتاج اليها هذه الدار، التي يقوم بها أهل الظلمة والحجاب ويتنعم بها أهل الذلة والقسوة وسائر الأنعام والدواب، المبعدين عن دار الكرامة والنور، المطرودين عن عالم المحبة والسرور.

فوجب في العناية الأولى والحكمة الكبرى، التفاوت في الاستعدادات لمراتب الدرجات، في الشرف والخسة، والصفاء والكدورة، والعلو والدناءة.

Página desconocida