254

فيما يرد على المعتزلة

القائلين باستقلال العبد في أفعاله وحركاته

فمما يرد عليهم أنهم اشركوا بالله في أفعاله، ولم يتفق لهم التوحيد الأفعالي، كما لم يبق للأشاعرة - المثبتين للصفات - التوحيد الوصفي.

ويرد عليهم أيضا؛ انهم منكرون لقضاء الله وقدره في كل شيء، ولم يذعنوا ان الخيرات والشرور كلها بقضائه وقدره. أما الخير فهو مقضي بالذات، وأما الشر فهو مقضي بالعرض. ومذهبهم في صدور الأفاعيل من العباد قريب من مذهب بعض الطبيعيين والأطباء الذين جعلوا مبدأ فعل الآدمي طبيعته ومزاجه، ولم يرتفع نظرهم الى ما فوق الدهر والطبيعة من الملكوت الأعلى والأسباب القصوى، ولم يعلموا أن كل ما يقع في هذا العالم من الحوادث والأكوان والأفعال والإرادات والحركات والسكنات، مقدر بهيئته وزمانه في عالم آخر قبل؛ كما دلت عليه البراهين العقلية والمشاهدات الذوقية والمنامات الصادقة، والإلهامات، والكلمات الإلهية، والأحاديث النبوية، منها قوله تعالى:

وكل شيء فعلوه في الزبر وكل صغير وكبير مستطر

[القمر:52-53].

ومنها قوله تعالى:

ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين

[الأنعام:59]. ومنها قوله تعالى:

ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين

Página desconocida