251

وقيل لجبري: نرى الله يقول:

قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها

[الشمس:9 - 10] من هذا الذي قد خاب؟ فلم يكن له من ذلك جواب.

وقال معتزلي لجبري: ممن الحق؟ فقال: من الله. قال له: فمن المحق؟ قال: هو الله قال له: فممن الباطل؟ قال: من الله. فقال له: فمن هو المبطل؟ فانقطع المجبر ولم يقدم على أن يقول: إن الله - تعالى عن ذلك علوا كبيرا- هو المبطل. وكان يلزمه ذلك على مذهبه.

ومن عجائب ما يعتقده المجبرة ويلزمهم أيضا، أنه يجوز من الله في عقولهم مع عدله وحكمته، أن يجمع الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين وعباده الصالحين، فيخلدهم في الجحيم والعذاب الأليم أبد الآبدين، ويجمع الكفار والملحدين والزنادقة والمنافقين وإبليس والشياطين، ويخلدهم في الجنة والنعيم دهر الداهرين، وزعموا ذلك إنصافا منه وعدلا، وركبوا في ذلك مكابرة وجهلا ولعله قد كان لهم سلف صدرت منهم كلمات على سبيل الزمر والإشارة وما بلغت عقول هؤلاء على كنه أقوال أولئك الأوائل، أو كان في عقول طائفة من رؤسائهم جهل وسفه أوجب مثل هذا الاعتقاد، وجاء الخلف مقلدا للسلف، محبا للمنشأة وسنة الآباء، كما حكى الله عن أشباههم من الأخلاف الذين قلدوا آراء الأشياخ والأسلاف، حيث ذكر:

إنا وجدنآ آبآءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون

[الزخرف:22]

أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون

[البقرة:170].

وإن كان ذلك كذلك، فأي عذر بقي للمتأخرين من الأحياء والأبناء في اتباع السلف والآباء على الضلال في أمر لا يخفى على أدنى العقلاء؟ فما أحسن ما يقرؤونه في كتابهم:

Página desconocida