228

وفي كتاب الحجة من كتب الكليني رحمه الله باب في الفرق بين الرسول والنبي والمحدث، والأئمة (عليهم السلام) كلهم محدثون مفهمون.

فصل مشرقي

متعلق بقوله: { وبالآخرة هم يوقنون }

إعلم ان اليقين هو العلم بالشيء بعد أن يكون صاحبه شاكا فيه، ولذلك لا يقول القائل: تيقنت ان السماء فوق الأرض، وان الكل أعظم من الجزء، فيقال ذلك في العلم الحادث والمكتسب، وستعلم أن العلم بالآخرة وما فيها، لا يحصل الا من جهة العلم بما في الدنيا.

ثم إنه تعالى مدحهم على كونهم متيقنين بالآخرة، ومعلوم أن مجرد الإيقان بها لأحد لا يوجب استحقاق التمدح، بل لا يستحق المدح إلا من تيقن بوجود الآخرة مع ما فيها من الحشر والنشر والحساب والميزان والجنة والنار، وما فيهما من نعيم السعداء وجحيم الأشقياء.

وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال:

" يا عجبا كل العجب من الشاك في الله وهو قد يرى خلقه. وعجبا ممن يعرف النشأة الأولى وينكر النشأة الآخرة. وعجبا ممن ينكر البعث والنشور وهو كل يوم وليلة يموت ويحيا - يعني النوم واليقظة - وعجبا ممن يؤمن بالجنة وما فيها من النعيم ويسعى لدار الغرور، وعجبا للمتكبر الفخور وهو يعلم أن أوله نطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة ".

وإنما قال صلى الله عليه وآله: عجبا ممن يعرف النشأة الأولى وينكر النشأة الآخرة، لأنهما متضايفتان، والمتضايفتان معان في التعقل. فمن أنكر الآخرة فكأنه لم يعرف الدنيا بحسب التعقل بل بالحس فقط.

وتحقيق هذا المقام: أن الآخرة صفة للنشأة أو الدار، وإنما وصفت بها لأنها متأخرة عن النشأة الأولى والدار الدنيا.

وإنما سميت الدنيا بالدنيا، لأنها أدنى من الآخرة بالقياس إلينا لا بحسب الترتيب الوجودي، فإن هذه الدار آخر العوالم والنشآت طبعا وشرفا، لأن موجوداتها آخر الموجودات وأبعدها في سلسلة الاستناد الى المبدإ الأول وبارىء الكل، والإنسان في مبدإ كونه وحدوثه هو من جملة الموجودات الواقعة في هذه الدار، لأنه في أول الوجود من حزب الحيوانات، ونشأة الحيوان - بما هو حيوان - نشأة الحس والمحسوس، ولهذا حد بأنه جوهر ذو بعد حساس. والحساس تمام حقيقته، وكمال أول لجنسه به يتم نوعه ويكمل جنسه.

Página desconocida