221

ولهذا المعنى أول رسول الله (صلى الله عليه وآله) اللبن بالعلم، قال الفتح الموصلي: أليس الرجل إذا منع عنه الطعام والشراب يموت؟ قالوا: بلى، قال: كذلك القلوب إذا منع عنها الحكمة والعلم ثلاثة أيام تموت، وغذاء الملائكة التسبيح والتقديس، وغذاء الفلكيات بما يرد عليها من الواردات والأنوار العلوية المتجددة على الاتصال بواسطة حركاتها المتصلة المستمرة.

وكذا غذاء كل قوة من القوى الباطنة والظاهرة، بنيل ما يشببها وإدراك ما يناسبها، فغذاء الوهم الموهومات، وغذاء الخيال المتخيلات، وغذاء قوة الباصرة إدراك الأنوار الحسية، وغذاء الجن بالنسيم والأرواح العبقة وسماع الأصوات، وعلى هذا القياس، فما من قوة إلا ولها رزق صوري أو معنوي من جنسها، وبه تحصل لذتها وبما يضاده ألمها.

وتحقيق هذا المقام من شمول رازقيته تعالى لجميع الموجودات العلوية والسفلية والروحية والجسمية والأخروية والدنيوية، مما يتوقف على الأصول التي وقع الاثبات لها في كتبنا الحكمية: كالشواهد الربوبية وغيرها فليراجع إليها من أراد الإطلاع على هذا المطلب.

[2.4]

يحتمل أن يراد بهؤلاء الموصوفين بالإيمان بما أنزل على جميع الأنبياء وباليوم الآخر، أعيان المذكورين سابقا، كلا أو بعضا وتوسيط العاطف ها هنا كتوسيط بين الصفات في قولك: هو الشجاع والجواد وقوله:

الى الملك القرم وابن الهمام

وليث الكتيبة في المزدحم

على معنى انهم الجامعون بين الإيمان العلمي ولوازمه - من التقوى عن محارم الله، والعمل بما فرضه الله عليهم من العبادات البدنية والمالية - وبين الإيمان الكشفي بما لا يستقل العقل بإثباته، من كيفية إنزال الوحي على الأنبياء، وأحوال البعث والحشر. أو انهم الجامعون بين المعقول والمسموع من الإيمان بالله واليوم الآخر مع العمل الصالح. وكرر الموصول تنبيها على تباين المسلكين وتفاوت المنقبتين.

ويحتمل أن يراد بهم طائفة أخرى، وهم مؤمنوا أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام وأترابه، من الذين آمنوا بالله لا عن شرك. فاشتمل ايمانهم على كل وحي أنزل من عند الله وأيقنوا بالآخرة ايمانا زال معه ما كانوا عليه من أنه: لا يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى، وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودات، ومن اختلافهم في نعيم الجنة كالتلذذ بالمطاعم والمناكح؛ أهو على حسب مجراها في الدنيا أم غيره، واختلافهم في الدوام والانقطاع.

فعلى هذا، إما أن تكون هذه الجملة معطوفة على: { الذين يؤمنون بالغيب } فيكون هؤلاء داخلين مع المذكورين أولا في جملة المتقين، دخول أخصين متقابلين تحت أعم، وجهة التباين أن المراد بأولئك هم الذين آمنوا عقيب شرك وإنكار، وبهؤلاء مقابلوهم ممن ليس كذلك، وكانت الآيتان تفصيلا للمتقين.

Página desconocida