180

فقد ثبت ان وجوب الأعمال الصالحة وترك القبائح، لأجل إصلاح القلب وجلب الأحوال، وتفاوتها في الفضيلة إتيانا وتركا، بقدر تأثيرها في تطهير القلب وتهذيبه وإعداده لأن تحصل له المعرفة الإلهية والعلوم الكشفية.

وكما ان تصقيل المرآة يحتاج الى أعمال تتقدم على تمام أحوال المرآة في صفائها وصقالتها، وتلك الأعمال بعضها أقرب إلى الصقالة التامة من بعض، فكذلك الأعمال المورثة لأحوال القلب، تترتب في الفضيلة ترتب الأحوال، فالحالة القريبة أو المقربة من صفاء القلب، هي أفضل مما دونها لا محالة بحسب قربها من المقصود الأصلي.

فكل عمل، إما أن يجلب الى القلب حالة مانعة من المكاشفة، موجبة لظلمة القلب، جاذبة الى زخارف الدنيا. وإما أن يجلب إليه حالة مهيئة للمكاشفة، موجبة لصفاء القلب وقطع علاقته عن الدنيا، واسم الأول في عرف الشرع: المعصية، سواء كان فعلا أو تركا، واسم الثاني: الطاعة، فعلا كان أو تركا.

والمعاصي، من حيث تأثيرها في ظلمة القلب وقساوته، متفاوتة، وكذا الطاعات في تنوير القلب وتصفيته، فدرجاتها بحسب درجات تأثيرها. وذلك يختلف باختلاف الأزمان والأشخاص. فربما كان قيام الليل لأحد أفضل من إيتاء الصدقات المتبرعة، وربما كان الأمر بالعكس من ذلك، وربما كان صوم ستين يوما أفضل في باب الكفارة من عتق رقبة، كما للسلاطين والأمراء من أهل الدنيا.

فإذا تقررت هذه المقدمات، فقد علم أن الأصل في الإيمان هو المعرفة بالجنان، وأما العمل بالأركان، فإنما يعتبر لتوقف المعرفة على إصلاح القلب، وتهذيب الباطن، وتلطيف السر، وتوقفها على فعل الحسنات وترك السيئات.

ومما يدل على أن الإيمان مجرد العلم والتصديق وحده أمور:

الأول: أنه تعالى أضاف الإيمان الى القلب فقال في حق المؤمنين:

أولئك كتب في قلوبهم الإيمان

[المجادلة:22]. وفي حق المنافقين:

الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم

Página desconocida