" في امرأة سرقت فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقطع يدها فقال قومها: نحن نفديها بخمس مائة دينار فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " اقطعوا يدها اليمنى " فقالت المرأة: هل لي من توبة؟ قال: " نعم "
فنزل قوله: { فمن تاب من بعد ظلمه } الآية، وقيل: من تاب رجع، قيل: تاب قبل إقامة الحد عليه، وقيل: برد السرقة قبل القدرة عليه لم يقطع، وقيل: بالتوبة وهو الندم على ما فعل والعزم على أن لا يعود، وقوله: { فإن الله يتوب عليه } أي يقبل توبته { إن الله غفور } لمن تاب { رحيم } يقبل توبته.
[5.40-42]
{ ألم تعلم } خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمراد به غيره، وقيل: خطاب لكل مكلف على تقدير ألم تعلم أيها السامع أو أيها الإنسان { أن الله له ملك السموات والأرض } خلقا وملكا { يعذب من يشاء } من يجب في الحكمة تعذيبه { ويغفر لمن يشاء } من التائبين { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } الآية نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر حين حاصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بني قريظة فأرسل اليهم واستشاروه فقال: لا تنزلوا على حكم سعد فإنه الذبح وأشار بيده إلى حلقه يعني لا تبال بمشارعة المنافقين في الكفر أي في إظهاره بما يلوح منهم في آثار الكيد للاعلام ومن موالاة المشركين فإني ناصرك عليهم وكافيك شرهم، يقال: أسرع الشيب فيه وأسرع فيه الفساد بمعنى وقع فيه سريعا فكذلك مسارعتهم في الكفر وقوعهم فيه أسرع شيء إذا وجدوا فرصة، قوله تعالى: { ومن الذين هادوا } أي من اليهود قوم { سماعون للكذب } يعني قائلون لما تفتريه الأخبار من الكذب على الله تعالى وتحريف كتابه من قولك الملك يسمع كلام فلان ومنه سمع الله لمن حمده { سماعون لقوم آخرين لم يأتوك } يعني اليهود الذين لم يصلوا إلى مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من شدة البغضاء والتبالغ في العداوة، وقيل: سماعون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأجل أن يكذبوا عليه بأن ينسخوا ما سمعوا عنه بالزيادة والنقصان والتبديل والتغيير، وقيل: سماعون بني قريظة والقوم الآخرين قوم من اليهود يهود خيبر { يحرفون الكلم } يميلونه ويزيلونه { عن مواضعه } التي وضعه الله عليها فيهملونه بغير مواضع بعد أن كان ذا مواضع، قوله تعالى: { يقولون أن أوتيتم هذا فخذوه } قال جار الله: إن أوتيتم هذا المحرف المزال عن مواضعه فخذوه واعلموا أنه الحق واعملوا به { وإن لم تؤتوه } وأفتاكم محمد بخلافه { فاحذروا } يعني فإياكم وإياه فهو الضلال والباطل،
" وروي أن شريفين من خيبر زنيا بشريفة وهم محصنان وحدهما الرجم في التوراة فكرهوا رجمهما لشرفهما فبعثوا رهطا منهم إلى بني قريظة يسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك وقالوا: إن أمركم بالجلد فاقبلوا وإن أمركم بالرجم فلا تقبلوا، وأرسلوا الزانيين معهم فأمرهم بالرجم فأبوا أن يأخذوا به فقال له جبريل (عليه السلام): اجعل بينك وبينهم ابن صوريا، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " هل تعرفون شابا أمرد أعور أبيض يسكن فدكا يقال له ابن صوريا؟ " قالوا: نعم هو أعلم يهودي على وجه الأرض، ورضوا به حكما، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أنشدك الله الذي لا إله إلا هو الذي فلق البحر لموسى ورفع فوقكم الطور وأنجاكم وأغرق آل فرعون والذي أنزل عليكم كتابه هل تجدون الرجم على من أحصن؟ " فقال: نعم فوثب عليه سفلة من اليهود، فقال: خفت إن كذبته أن ينزل علينا العذاب، ثم سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أشياء كان يعرفها من أعلامه فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله النبي الأمي الذي بشر به المرسلون، وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالزانيين فرجما عند باب المسجد "
{ ومن يرد الله فتنته } تركه مفتونا وخذلانه { فلن تملك له من الله شيئا } فلن تستيطع له من لطف الله وتوفيقه شيئا، قوله تعالى: { أن يطهر قلوبهم } يعني يمنحهم من الألطاف ما يطهر قلوبهم به لأنهم ليسوا من أهلها { أكالون للسحت } كما لا يحل كسبه، وعن الحسن: كان الحاكم في بني إسرائيل إذا أتاه أحد بالرشوة جعلها في كمه، فأراه إياها وتكلم بحاجته فسمع منه ولا ينظر إلى خصمه فيأكل الرشوة ويسمع الكذب وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
" كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به "
قوله تعالى: { فلن يضروك شيئا } لأنهم كانوا لا يتحاكمون إليه إلا لطلب الأبر والأهون عليهم كالجلد مكان الرجم، قوله: { بالقسط } أي بالعدل والاحتياط كما حكم بالرجم.
[5.43-45]
قوله تعالى: { وكيف يحكمونك } تعجب من تحكيمهم لمن لا يؤمنون به ولا بكتابه مع أن الحكم منصوص في كتبهم { ثم يتولون من بعد ذلك } يعني ثم يعرضون من بعد حكمك الموافق لما في كتبهم لا يرضون به { وما أولئك بالمؤمنين } بكتابهم كما يزعمون أو { وما أولئك } بالكاملين في الايمان على سبيل التهكم بهم، قوله تعالى: { الذين أسلموا } صفة للنبيين على سبيل المدح، قوله تعالى: { للذين هادوا والربانيون والأحبار } الرهبان والعلماء من ولد هارون الذين التزموا طريقة النبيين وجانبوا دين اليهود، وقيل: الربانيون العلماء، والأحبار القراء، وقيل: الربانيون الولاة والأحبار العلماء، وقيل: الربانيون علماء اليهود والأحبار علماء النصارى، قوله تعالى: { بما استحفظوا من كتاب الله } أي حفظوه من التبديل والتغيير { وكانوا عليه شهداء } أي رقباء لئلا يبدل والمعنى يحكم بأحكام التوراة النبييون بين موسى وعيسى وكان بينهما ألف نبي { للذين هادوا } يحملونهم على أحكام التوراة ولا يتركونهم أن يعدلوا عنها كما فعل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من حملهم على حكم الرجم وإرغام أنوفهم بما استحفظهم أنبياءهم من كتاب الله والقضاء به وبسب كونهم شهداء، وكذلك حكم الزانيين والأحبار المسلمين { فلا تخشوا الناس } نهي للحكام { ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا } وهي الرشوة وابتغاء الجاه ورضى الناس كما عرف اليهود كتاب الله وغيروا أحكامه طمعا في الدنيا وطلبا للرئاسة، قوله تعالى: { ومن لم يحكم بما أنزل الله } مستهينا به { فأولئك هم الكافرون } وفي الثانية: { الظالمون } وفي الثالثة: { الفاسقون } قيل: كلها بمعنى الكفر وعبر عنها بألفاظ مختلفة اجتناب صورة التكرار، وقيل: الكافرون نزلت في حكام المسلمين، والظالمون في اليهود، والفاسقون في النصارى، وقيل: أراد بالظالمين والكافرين والفاسقين اليهود، وقيل: هم حكام أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعن ابن مسعود هو عام في اليهود وغيرهم { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } الآية، يعني النفس مأخوذة بالنفس مقتولة بها إذا قتلها بغير حق وكذا العين مفقوءة بالعين، والأنف مجدوعة بالأنف، والأذن مصلومة بالأذن، والسن مقلوعة بالسن { والجروح قصاص } يعني ذوات قصاص، ومعناه ما يكون فيه القصاص ويعلم المساواة { فمن تصدق } من أصحاب الحق { به } أي بالقصاص وعفى عنه { فهو كفارة له } يكفر الله به من سيئاته، قيل: يهدم عنه من ذنوبه بقدر ما تصدق به.
Página desconocida