وقيل: إن العدول بينهن أمر صعب بالغ من الصعوبة لأنه يجب أن يسوي بينهن في القسمة والنفقة والتعهد والنظر والإقبال { فلا تميلوا كل الميل } أي لا تميلون عن التسوية فيما تقدرون عليه من النفقة والكسوة والقسم والمعاشرة بالمعروف { فتذروها كالمعلقة } أي كالمسجونة، وفي الحديث عنه (صلى الله عليه وآله وسلم):
" من كان له امرأتان يميل مع أحدهما جاء يوم القيامة وشقه مائل "
وقيل: تتقوا الله بالتوبة فيما سلف منكم { وأن تصلحوا } قيل: تصلحوا أعمالكم { وتتقوا } المعاصي، وقيل: تصلحوا بالعدل في الصحبة وتتقوا الله في أمرها، وقيل: تتقوا الله بالتوبة فيما سلف منكم من الميل، وقيل: تصلحوا امر النساء على ما تراضون { فإن الله كان غفورا رحيما } يغفر ما سلف منكم { وان يتفرقا } الزوج والزوجة إذا عجز كل واحد عن إيفاء حق صاحبه قحافا ألا يقيما حدود الله فطلقها وخالعها جاز { يغن الله كلا من سعته } أي يغني كل واحد برزقه وأما بزوج هو أصلح لها أو برزق واسع وأما الزوج فإما ان كان يغنيه بزوجة صالحة أو برزق واسع، ومتى قيل: لم شرط تفرقهما في الرزق وهو يرزقهما اجتمعا أو تفرقا؟ فجوابنا لوجهين: أحدهما تسلية لها، الثاني أنه أغنى كل واحد من الزوجين بالآخر فإذا تفرقا فالله تعالى القيم بأمرهما وأمر كل واحد وسمي الطلاق فرقة لأنه ينافي الاجتماع الذي كان قبله.
[4.131-135]
{ ولقد وصينا } التوصية في معنى القول، وقوله: و { الذين أوتوا الكتاب } اسم للجنس تناول الكتب السماوية { من قبلكم وإياكم } يعني أمرناهم وأمرناكم بالتقوى وقلنا لهم قيل: ولكم { وإن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض } يعني الخلق كله وهو خالقهم ومالكهم والمنعم عليهم فحقه أن يكون مطاعا، ويعني بالذين أوتوا الكتاب من الأمم السالفة ووصيناكم أن تتقوا الله بمعنى أنها وصية ما زال يوصي الله بها عباده { وكان الله غنيا } عن خلقه وعن عبادتهم جميعا { حميدا } مستحقا للحمد { ان يشأ يذهبكم } يفنيكم ويعذبكم كما أوجدكم وأنشأكم { ويأت بآخرين } ويوجد المتأخرين مكانكم أو خلقا آخر من غير الإنس { وكان الله على ذلك } من الاعدام والايجاد { قديرا } لا يمتنع عليه شيء { من كان يريد ثواب الدنيا } كالمجاهد يزيد بجهاده الغنيمة { فعند الله ثواب الدنيا والآخرة } فما له طلب أحدهما دون الأخرى لأن من جاهد لله خالصا لم تحتطه الغنيمة وله من الثواب في الآخرة ما الغنيمة في جنبه كلا شيء { يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط } مجتهدين في إقامة العدل { شهداء لله } يقيمون شهادتكم كما أمرتم بإقامتها { ولو على أنفسكم } ولو كانت الشهادة على أنفسكم وآبائكم وأقاربكم وهو أن يقر على نفسه بما عليها لأنه في معنى الشهادة { إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى } بالغني والفقير أي بالنظر لهما { فلا تتبعوا الهوى } يعني هوى أنفسكم { أن تعدلوا } عن الحق { وأن تلووا أو تعرضوا } يعني وأن تلووا ألسنتكم عن الشهادة بما عندكم وتمنعوها.
[4.136-141]
{ يأيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله }
" الآية نزلت في مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه قالوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزيرا ونكفر بما سواه من الكتب، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " آمنوا بكل كتاب منزل على نبي مرسل "
فنزلت الآية فقالوا: نؤمن بك وبكل كتاب منزل ولا نفرق بين أحد منهم، وقيل: نزلت في المسلمين ومعنى آمنوا أثبتوا على الإيمان وداوموا عليه قال جار الله: فإن قلت: كيف قيل لأهل الكتاب { والكتاب الذي أنزل من قبل } وكانوا مؤمنين بالتوراة والانجيل؟ قلت: كانوا مؤمنين بهما بحسب، فإن قلت: لم قيل نزل على رسوله وأنزل من قبل؟ قلت: لأن القرآن نزل مفرقا بخلاف الكتب قبله { ومن يكفر بالله } الآية يعني يكفر بشيء من ذلك { فقد ضل ضلالا بعيدا } { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا } الآية هؤلاء قوم ممن آمن مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم رجعوا إلى قريش وارتدوا عن الإسلام ثم رجعوا ثم هفوا ثانية إلى الكفر ثم ارتدوا وماتوا عليه، وقيل: نزلت في أهل الكتاب اليهود والنصارى، وقيل: هم اليهود آمنوا بالتوراة وبموسى ثم كفروا بالإنجيل وبعيسى، ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: هم المنافقون آمنوا ثم ارتدوا ثم آمنوا ثم ارتدوا ثم ماتوا ويدخلهم النار { ولا ليهديهم سبيلا } طريقا طريق الجنة ولا يغفر لهم من حيث أن إيمانهم غير صحيح وإنما يغفر للتائب ولا يهديهم سبيلا إلى النجاة من النار { بشر المنافقين } وضع بشر مكان أخبر تهكما بهم والبشارة التي يظهر به السرور في بشرة وجهه ثم يستعمل في الذي يغم أيضا، وقيل: أصله الخبر الذي يظهر بشرة الوجه إما سرور أو غم، إلا أنه أكثر في الخبر الساري ذكره في الثعلبي { الذين يتخذون الكافرين أولياء } أنصارا { من دون المؤمنين } قيل: هم اليهود، وقيل: مشركي العرب بمكة وقيل: سائر الكفار { أيبتغون } أيطلبون { عندهم } أي عند الكفار { العزة } أي العزة والنصرة على محمد والغلبة عليه { فإن العزة لله جميعا } يريد لأوليائه الذين كتب لهم العزة والغلبة على اليهود وغيرهم، قال تعالى:
ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين
Página desconocida