" نزلت في سعد بن الربيع وذلك أنه استشهد يوم أحد وترك ابنين وامرأة وأخا فأخذ الأخ المال فأتت المرأة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت: إن هاتين ابنتا سعد وأن سعدا قتل وأن عمهما أخذ مالهما، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " إرجعي فلعل الله أن يقضي في ذلك " فأقامت حينا ثم عادت وبكت فنزلت الآية فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عمهما وقال: " اعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فلك "
فهذا أول ميراث قسم في الاسلام، وعن ابن عباس (رضي الله عنه): كانت المواريث للأولاد وكانت الوصية للوالدين والأقربين فنسخ ذلك وأنزل الله آية المواريث فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):
" إن الله لم يرض لملك مقرب ولا لنبي مرسل حتى تولى قسمة التركات ويعطي كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث "
قوله تعالى: { فإن كن نساء فوق اثنتين } ذهب بعضهم إلى أن فوق زائدة وفيه ضعف لقوله تعالى: { فلهن } والمعنى فإن كن جماعات بالغات ما بلغن من العدد فلهن ما للابنتين وهو الثلثان وميراث الابنتين مقيس على الاختين بطريق الأولى قوله: { ولأبويه } الضمير للميت ولكل واحد منهما بدل من لأبويه بتكرير العامل والسدس مبتدأ ولأبويه خبره، قوله تعالى: { إن كان له ولد } والولد يقع على الذكر والأنثى { فإن كان له إخوة فلأمه السدس } لأن الأخوة يحجبون الأم من الثلث إلى السدس وإن كانوا لا يرثون مع الأب فيكون لها السدس، قوله تعالى: { آباؤكم وأبناؤكم } الذين يموتون أمن أوصي منهم أمن لم يوصي يعني أن من أوصى ببعض ماله فعرضكم لثواب الآخرة بإمضاء وصيته فهو أقرب نفعا ممن ترك الوصية ووفر عليكم عرض الدنيا، وقيل: نفعا في الآخرة بالشفاعة وقيل: في الدنيا، وقيل: بالموت فينتفعون بالتركة، وقيل: فرض الله الفرائض على ما هو عنده حكمة ولو وكل ذلك إليكم لم تعلموا أيهم لكم أنفع فوضعتم أنتم الأموال على غير حكمة، وقيل: الأب يجب عليه النفقة للابن إذا احتاج وكذلك الابن، قال جار الله: وليس شيء من هذه الأقاويل موافق للمعنى والقول ما تقدم { فريضة من الله } يعني ما قسم لكل واحد شيئا معلوما واجبا لهم والمراد الميراث، وقيل: الميراث والنفقة { إن الله كان عليما } بمصالح خلقه { حكيما } فيما قدر لهم، قوله تعالى: { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع } خطاب للأزواج، قوله تعالى: { وإن كان رجل يورث كلالة } قيل: الكلالة القرابة إذا لم يكونوا الوالدين ولا الأولاد، وقيل: كلالة الميت إذا لم يكن له والدان ولا ولد، وعن عطاء والضحاك أن الكلالة هو الموروث، وعن أبي بكر أنه سئل عن الكلالة، فقال: أقول فيه برأيي فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمني والله منه بريء، الكلالة ما خلا الوالد والولد، قوله تعالى: { وله أخ أو أخت } يعني لأم وهكذا وفيه إجماع، قوله تعالى: { غير مضار } لورثته أن يوصي بما ليس عليه أو بزيادة على الثلث { وصية من الله } أي: يوصيكم الله بجميع ذلك وصية { والله عليم } بمن يعمل بحدوده وفرائضه حليم عمن يتجاوز حده فإنه يمهله، وقيل: عليم بمصالح خلقه حليم يمهل العصاة { تلك حدود الله } إشارة إلى الأحكام التي ذكرت في باب اليتامى والوصايا والمواريث وسماها حدودا لأن الشرائع كالحدود { ومن يطع الله } فيما أمر به من الأحكام، وقيل: فيما فرض من المواريث { يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها } دائمين فيها { ذلك الفوز العظيم } الظفر باليغيه، قوله تعالى: { ومن يعص الله ورسوله } فيما أمر ونهى { ويتعد حدوده } يتجاوز ما حد له { يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين } يعني يهان في ذلك العذاب، واختلفوا في قوله تعالى: { يدخله نارا } قيل: من تعدى جميع الحدود، وقيل: من عصى الله وتعدى ما حد له، والآية تدل على تخليد الفساق في النار لأن الوعد متوجه إليهم كذلك الوعيد والحدود وهم فساق أهل الصلاة وإن كان عموما ويدل عليه ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال:
" لو أن رجلا عبد الله سبعين سنة ثم ختم وصيته بضرار لأحبط الضرار عمله ثم أدخله النار "
وهو ما تقدم في آية المواريث.
[4.15-18]
قوله تعالى: { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } الفاحشة الزنا { فاستشهدوا عليهن أربعة منكم } الخطاب للأزواج أي اطلبوا ممن قذفهن أن يأتي بأربعة شهداء، وقيل: الخطاب للحكام أي فاسمعوا شهادة أربعة عليهن { فأمسكوهن في البيوت } قيل: معناه فاجلدوهن في البيوت محبوسات وكان ذلك في أول الإسلام ثم نسخ بقوله تعالى:
الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة
[النور: 2] فلم يبق إلا الجلد للبكر والرجم للمحصنة ويجوز أن يكون غير منسوخة بأن يترك ذكر الجلد لأن ذلك معلوم في الكتاب والسنة، ويريد إمساكهن في البيوت بعد الحد صيانة لهن عن مثل ما جرى عليهن بسبب الخروج والتعرض للرجال، قوله تعالى: { أو يجعل الله لهن سبيلا } وهو النكاح الذي يستغنين به عن السفاح، وقيل: السبيل هو الحد لأنه لم يكن مشروعا ذلك الوقت، قوله تعالى: { واللذان يأتيانها منكم } يريد بها الزنا { فآذوهما } فوبخوهما وذموهما { فإن تابا وأصلحا } وغيرا الحال { فأعرضوا عنهما } واقطعوا التوبيخ والمذمة فإن التوبة تمنع استحقاق الذم والعقاب، قوله تعالى: { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة } أولا الآية نزلت في المؤمنين، ووسطها في المنافقين، وآخرها في الكفار الذين يموتون على كفرهم مصرين، قوله تعالى: { ثم يتوبون من قريب } القريب : ما قبل حضور الموت ألا ترى إلى قوله تعالى: { حتى إذا حضر أحدهم الموت } فبين أن وقت الاحضار هو الذي لا تقبل فيه التوبة، وروى أبو أيوب الأنصاري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
Página desconocida