" كما تكونوا يولى عليكم ".
[3.28-34]
{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين } الآية نزلت في خاطب بن أبي بلتعة، وقيل: نزلت في عبد الله بن أبي وأصحابه { ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء } ومن يوالي الكفرة فليس من ولاية الله في شيء يقع عليه اسم الولاية، يعني أنه ينسلخ عن ولاية الله رأسا { إلا أن تتقوا منهم تقاة } إلا أن تخافوا من جهتهم أمرا يجب اتقاءه { ويحذركم الله نفسه } فلا تتعرضوا لسخطه بموالاة أعدائه، وهذا وعيد شديد، ومعنى نفسه ذاته المتميزة عن سائر الذوات { قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه } من ولاية الكفار وغيرها مما لا يرضاه الله تعالى { يعلمه الله } ولم يخف عليه وهو الذي { يعلم ما في السموات وما في الأرض } لا يخفى عليه شيء منه قط، ولا يخفى عليه سركم وعلانيتكم { والله على كل شيء قدير } قادر على عقوبتهم. قوله تعالى: { يوم تجد } منصوب بتود والضمير في بينه إلى اليوم أي يوم القيامة حين تجد { كل نفس } خيرها وشرها حاضرين يتمنى { لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا } { والله رؤوف بالعباد } ، وعن الحسن من رأفته بهم أن حذرهم نفسه، قوله تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } الآية نزلت في قوم من أهل الكتاب قالوا: نحن الذين نحب ربنا، وجعل تصديق ذلك اتباع رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل:
" وقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على قريش في المسجد الحرام وقد نصبوا الأصنام وزينوها وسجدوا لها، فقال: " لقد تركتم ملة إبراهيم وإسماعيل " فقالوا: إنما نعبد هذه حبا لله تعالى "
، فنزلت الآية، وقيل: نزلت في نصارى نجران حين قالوا: إنما نعظم المسيح حبا لله تعالى، ومن ادعى محبة الله تعالى وخالف سنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو كاذب وكتاب الله تعالى يكذبه { إن الله اصطفى آدم ونوحا } يعني أخبار آدم ونوحا { وآل إبراهيم } إسماعيل وإسحاق وأولادهما { وآل عمران } موسى وهارون أبناء عمران بن يصهر، وقيل: عيسى ابن مريم بنت عمران بن ماثان، وبين العمرانين ألف وثمانمائة سنة، وقد دخل في آل إبراهيم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) { ذرية بعضها من بعض } في الدين.
[3.35-39]
{ إذا قالت امرأة عمران } يعني عمران بن ماثان جد عيسى (عليه السلام): { رب إني نذرت لك ما في بطني } أي أسلمت وأخلصت لك ذلك في عبادتك لا أشغله بشيء من خدمتي { محررا } معتقا لخدمة بيت المقدس، وكان هذا النوع من النذر مشروعا عندهم، وروي أنهم كانوا ينذرون هذا النذر، وإذا بلغ الغلام خير بين أن يفعل أو أن لا يفعل { إني وضعتها } الضمير في وضعتها لما في بطني، وإنما أتت على المعنى لأن ما في معاني بطنها كان أنثى في علم الله تعالى أو على تأويل الحبلة أو النفس أو التسمية { والله أعلم بما وضعت } تعظيم لموضوعها { فتقبلها ربها بقبول حسن } أي رضي بها في النذر مكان الذكر، وروي أنها حين ولدت مريم لفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعتها عند الأخيار أبناء هارون وهم في بيت المقدس كالحجبة في الكعبة، وقالت: دونكم هذه النذيرة، فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم وكان بنو ماثان رؤساء بني إسرائيل وأحبارهم وملوكهم، فقال لهم زكريا أنا أحق بها عندي خالتها، قالوا: لا حتى نقترع فانطلقوا وكانوا سبعة وعشرين إلى نهر الأردن، فألقوا فيه اقلامهم، فارتفع قلم زكريا فوق الماء ورسيت أقلامهم، فكفلها زكريا { وأنبتها نباتا حسنا } مجاز عن التربية الحسنة { وكفلها زكريا } يعني ضمها إليه وجعله كافلا لها، وقيل: بنى لها (عليه السلام) محرابا في المسجد غرفة يصعد إليها بسلم، وقيل: المحراب أشرف المجالس ومقدمها كأنه وضعها في أشرف موضع من بيت المقدس، وقيل: كانت مساجدهم تسمى المحاريب، وقيل: كان لا يدخل عليها إلا هو وحده، وكان إذا خرج غلق عليها سبعة أبواب { وجد عندها رزقا } كان رزقها ينزل عليها من الجنة، ولم ترتضع ثديا قط، وكان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، قوله تعالى: { أنى لك هذا } من أين لك هذا الرزق الذي لا يشبه أرزاق الدنيا وهو في غير حينه، والأبواب مغلقة عليك { قالت هو من عند الله } فلا تستبعد، قيل: تكلمت وهي صغيرة كما تكلم عيسى وهو في المهد { إن الله يرزق من يشاء بغير حساب } هذا من جملة كلام مريم (عليها السلام) أو من كلام رب العزة يعني تقديرا لكثرته أو تفضلا بغير محاسبة، { هنالك } أي في ذلك المكان حيث هو قاعد عند مريم (عليها السلام) في المحراب أي في ذلك الوقت لما رأى من حال مريم في كرامتها على الله ومنزلتها رغب أن يكون له ولد { ذرية } ولدا والذرية تقع على الواحد والجمع { سميع الدعاء } أي مجيبه { فنادته الملائكة } قيل: هو جبريل (عليه السلام) { في المحراب إن الله يبشرك بيحيى } قيل: سمي يحيى لأنه أحياه الله تعالى بالإيمان والحكمة والعلم، أو لأنه قتل شهيدا والشهداء أحياء، قوله تعالى: { مصدقا بكلمة من الله } مصدقا بعيسى مؤمنا به، وقيل: هو أول من آمن به، وسمي عيسى كلمة لأنه لم يوجد إلا بكلمة الله تعالى وهي قوله: كن من غير سبب آخر، قوله تعالى: { وسيدا } السيد: هو الذي يسود قومه، أي يفوقهم في الشرف، وكان يحيى فائقا لقومه وللناس كلهم { وحصورا } الحصور: الذي لا يقرب النساء، من حصر نفسه: منعها من الشهوات، وقيل: الذي لا يدخل في اللعب والباطل.
[3.40-43]
قوله تعالى: { وقد بلغني الكبر } وقد كان له تسع وتسعون سنة ولامرأته ثماني وتسعون سنة { قال آيتك أن لا تكلم } لا تقدر على كلام { الناس ثلاثة أيام } وإنما خص كلام الناس ليعلمه أنه يحبس لسانه عن القدرة على تكليمهم خاصة مع إبقاء قدرته على الثناء بالذكر لله تعالى { إلا رمزا } يعني إلا إشارة بيدك أو غيرها { وسبح بالعشي } من حين تزول الشمس إلى حين تغيب { والإبكار } من حين طلوع الفجر إلى وقت الضحى.
قال في تفسير الهادي: يحيى بن الحسين (عليه السلام) وسألت عن يحيى (عليه السلام) والخبر الذي بلغ عنه هو أن اليهود لعنهم الله تعالى لما أن طلبوه دخل الشجرة فلحقوه فنشروه بالمنشار وأما الذي نوثق به ونصححه فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لما وصل إلى الأكانع يدعوهم إلى الله تعالى كان فيهم ملك جبار عنيد، فلما كان ذات يوم وهو يدعو الخلق إلى الله تعالى ويحضهم على طاعته ويقيم عليهم حجج ربه، إذ جاءت إليه امرأة على فرس ذات جمال وهيئة، قاصدة إلى الملك فقيل ليحيى (عليه السلام): إن هذه المرأة يفسق بها هذا الظالم وهي تختلف إليه كذلك فوثب إليها (عليه السلام) ورماها بالحصى وقال: يا عدوة الله تجاهرين بمعصية الله ووعظها مع كلام طرحه (عليه السلام) لها، فلما دخلت على الملك دخلت غضبانة فسألها عن خبرها فأخبرته بما فعل يحيى بن زكريا (عليه السلام) وامتنعت من الوقوف عنده والانبساط إليه حتى يقتل لها يحيى (عليه السلام)، فأرسل الطغاة له فنشروه بالمنشار طلبا لرضى الفاجرة لما كان من فعله بها، فلم يمنع الطغاة عنه أحد من أهل ذلك الدهر منه، ولم ينكر فعله عليه، فأقام دمه يعلو على الأرض جهرا، فلما أن قال بخت نصر وظهر على البلد قال: ما بال هذا الدم يعلو؟ فقيل له: إنه على ما تعاين دهرا وحينا طويلا وأعلموه بالسبب، فقال: إن لهذا الدم لأمرا وشأنا فلأقتلن جميع أهل البلد فأقبل يقتلهم على الدم والدم يطفح على دمائهم ويعلو حتى قتل مائة ألف إلا واحدا والدم يعلو على حاله يعلو على الدماء، فقال: اطلبوا فقيل له: لم يبق من القوم أحد، فأمر بالطلب فلم يزالوا يطلبوا حتى وجدوا رجلا متحيزا في غار فضربوا عنقه على الدم، فلما أن قتل سكن الدم عند كمال مائة ألف، هذا ما كان من خبره (عليه السلام) رواه في تفسير الهادي (عليه السلام).
Página desconocida