{ إن جهنم كانت مرصادا } أي طريقا منصوبة للعالمين فهي موردهم { للطاغين مآبا } لمن جاوز حد الله مصيرا ومرجعا { لابثين فيها أحقابا } أي مقيمين فيها أزمانا ودهورا لا نقضي لها، وقيل: لابثين فيها أحقابا { لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا } فكأنهم يعذبون مرة بالنار فلا يذوقون شيئا ومرة بالحميم والغساق ومرة بالزمهرير، واختلفوا في معنى الحقب قال بعضهم: ليس له حد معلوم وإنما هو اسم للزمان والدهر، وعن ابن مسعود: لا يعلم الأحقاب إلا الله، وعن الحسن: والله ما هو إلا إذا مضى حقب دخل أحقب آخر كذلك أبد الآبدين فليس للأحقاب مدة إلا الخلود في النار، وقد روي أن الحقب سبعون ألف سنة كل يوم كألف سنة مما تعدون، وقيل: أربعون سنة كل يوم منها ألف سنة، وقيل: ثمانون سنة كل سنة اثني عشر شهرا كل شهر ثلاثون يوما، كل يوم ألف سنة، وقيل: بضع وثمانون سنة، السنة ثلاثمائة وستون يوما، كل يوم ألف سنة مما تعدون، وقيل: الحقب ثلاثمائة سنة، كل سنة ثلاثمائة وستون يوما، كل يوم ألف سنة { لا يذوقون فيها } أي في جهنم { بردا ولا شرابا } يعني برد يدفع عن النار ولا شرابا يدفع العطش { إلا حميما } وهو الماء الحار { وغساقا } قيل: صديد أهل النار، وقيل: دموع أهل النار، وقيل: الزمهرير قيل: استثناء من.... والغساق، وقيل: الغساق واد في جهنم { جزاء } بحسب أعمالهم { وفاقا } أي وفق أعمالهم { إنهم كانوا لا يرجون حسابا } بل لا يرجون لتكذيبهم جزاء وحسابا، وقيل: لا يخافون الحساب { وكذبوا بآياتنا كذابا } أي بأدلتنا { وكل شيء أحصيناه كتابا } يعني لم نعاقبهم حتى أحصى عليهم أفعالهم القليل والكثير، وقيل: كتاب الحفظة ثم يقال لهم: { فذوقوا } العذاب، قيل: هذا نداء من الله لهم، وقيل: بل يقوله الخزنة { فلن نزيدكم إلا عذابا } قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
" هذه أشد آية على أهل النار "
{ إن للمتقين } الذين يجتنبون الكبائر { مفازا } منجى { حدائق } جنات وبساتين { وكواعب } أي جواري نواهد { أترابا } متساوية في سن واحد { لا يسمعون فيها لغوا } أي كلاما يكرهونه، وقيل: لا يسمعون ما يؤذيهم { ولا كذابا } قيل: لا يسمعون من أحد تكذيبه { جزاء من ربك } أي مكافأة على عملهم { عطاء } أي أعطاهم الله ذلك { حسابا } أي كافيا يكفيهم، وقيل: حسابا على قدر الاستحقاق { رب السماوات والأرض } فهو رب كل شيء { وما بينهما الرحمان لا يملكون منه خطابا } كلاما لأنه يفعل بحسب الاستحقاق والعدل والحكمة لا يكون لأحد فيه كلام { يوم يقوم الروح } قيل: جبريل، وقيل: ملك من أعظم الملائكة، وقيل: القرآن، وقيل: خلقا على صور الآدميين يأكلون ويشربون، وقيل: أرواح بني آدم، وقيل: رد الأجساد الروح { والملائكة صفا } أي واقفة { صفا لا يتكلمون } أحد منهم { إلا من أذن له الرحمان وقال صوابا } قيل: الذي يؤذن لهم فيه لا إله إلا الله، وقيل: يؤذن لمحمد في الشفاعة { ذلك اليوم الحق } قيل: ذلك اليوم الذي وعد الله به حق، وقيل: ذلك اليوم الذي يكون الحق لا الباطل { فمن شاء اتخذ } بالطاعة { إلى ربه } أي إلى رضائه والموضع الذي يحكم فيه { مآبا } قيل: مرجعا، وقيل: سبيلا { إنا أنذرناكم } خوفناكم { عذابا قريبا } قيل: يوم القيامة، وقيل: يوم بدر { يوم ينظر المرء ما قدمت يداه } أي يجازى به، وقيل: يرى جميع ما قدم من أعماله الخير والشر والصغير والكبير مكتوبا فيجازى عليه فعند ذلك { يقول الكافر } عند يرى أعماله القبيحة { يا ليتني كنت ترابا } فيقول التراب لا وكرامة لك لئن جعلك مثلي.
[79 - سورة النازعات]
[79.1-7]
أقسم الله تعالى بهذه الخمسة الأشياء منها على قدرته، وقيل: برب هذه الأشياء، واختلفوا في جواب القسم، فقيل: هو محذوف كأنه قيل:.... للجزاء يوم ترجف هذا قول أكثر النحويين وهو الوجه، وقيل: جوابه أن في ذلك لعبرة، وقيل: هل أتاك بمعنى قد أتاك، وقوله: { والنازعات غرقا } أقسم تعالى بطوائف الملائكة التي تنزع الأرواح من الأجساد، وبالطوائف التي تنشطها أي تخرجها من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها، وللمفسرين فيها خمسة أقوال فالذي ذكره علي (عليه السلام) وابن عباس وابن مسعود (رضي الله عنهم) أنها الملائكة، غرقا يعني إغراقا أي أبعادا في النزع { والناشطات نشطا } قيل: الملائكة تنشط بأمر الله إلى حيث كان، وقيل: تقبض روحه المؤمن برفق والكافر ما بين الجلد والأظفار تخرجها من أجوافهم بالكرب والغم { والسابحات سبحا } قيل: الملائكة يسعون إلى الأنبياء بالوحي، وقيل: بروح المؤمن إلى الجنة { فالمدبرات أمرا } الملائكة يدبرون الأشياء بأمر الله تعالى، وقيل: المراد بالأربعة الأولى النجوم والمدبرات الملائكة، وقيل: المراد الغزاة والرماة في سبيل الله، فعلى هذا النازعات أيدي الرماة إذا مدت القوس، وكذلك الناشطات السهام وهي خروجها من أيدي الرماة { والسابحات سبحا } قيل: الخيل والإبل وأراد خيل الغزاة، وقيل: السفن { والسابقات سبقا } قيل: هي الخيل { فالمدبرات } الملائكة، قيل: هم أربعة جبريل واليه تدبير الرياح والجنود، وميكائيل وإليه تدبير المطر والنبات، وملك الموت واليه قبض الأرواح، وإسرافيل ينزل بالأمر عليهم { يوم ترجف الراجفة } أي تضطرب { تتبعها الرادفة } النفخة الآخرة، وقيل: ترجف الراجفة تزلزلت الأرض والجبال، تتبعها الرادفة تشقق السماء وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة، وقيل: رجفت الأرض تضطرب وتزلزل، والرادفة زلزلة تتبع هذه الأولى.
[79.8-29]
{ قلوب يومئذ واجفة } قيل: خائفة، إنه يوم القيامة، وقيل: يوم أحد والخندق، يعني قلوب المنافقين مضطربة من الخوف { أبصارها خاشعة } ذليلة بالية { قالوا تلك إذا كرة خاسرة } على ما يعدنا، وقيل: خاسرة كاذبة { فإنما هي زجرة واحدة } أي صيحة ونفخة واحدة يريد النفخة الثانية { فإذا هم بالساهرة } قيل: على وجه الأرض أحياء بعدما كانوا أمواتا في جوفها، وقيل: في الأرض الآخرة، سميت الأرض ساهرة لأنه يسهر فيها وينام وهي في اللغة الفلاة، وقيل: هي جهنم { هل أتاك } يا محمد { حديث موسى إذ ناداه ربه } أي دعاه وقال: يا موسى { بالواد المقدس } المطهر { طوى } قيل: وادي، وقيل: طوى بالبركة، وقيل: واد في الشام عند الطور، وقيل: هو الموضع الذي كلم فيه موسى { إذهب إلى فرعون إنه طغى } أي جاوز الحد في العصيان { فقل هل لك إلى أن تزكى } أي تفعل يا فرعون ما تصير به زاكيا أي طاهرا { وأهديك إلى ربك فتخشى } عقابه { فأراه الآية الكبرى } في الآية محذوف وهو أنه جاء فرعون وأدى رسالة ربه وأراه الحجة الكبرى وهي العصا تصير حية تسعى واليد البيضاء تلألأ من غير سوء { فكذب } فرعون { وعصى } قيل: عصى موسى، وقيل: عصى الله { ثم أدبر } أي تولى وأعرض عن الايمان { يسعى } يعمل بالفساد، وقيل: لما رأى الحية هرب { فحشر } أي جمع السحرة، وقيل: جمع الناس { فنادى } فيهم { أنا ربكم الأعلى } قيل: ريس قومي، وقيل: أراد أن يلبس عليهم، وقيل: قال: إنما أنا ربكم فامنعوني من هذا الساحر ومن هذه الحية، فلما لم يؤمن { أخذه الله } أي عاقبه { نكال الآخرة والأولى } يعني في الدنيا بالغرق وفي الآخرة بالنار { إن في ذلك لعبرة } لعظة { لمن يخشى } عقاب الله تعالى { أأنتم } أيها المنكرون للبعث، وقيل : أأنتم أيها الناس { أشد خلقا أم السماء بناها } يعني من قدر على خلق السماء ورفعها من غير عمد قدر على إحيائكم بعد الموت { رفع سمكها } أي سقفها { فسواها } أي أحكمها { وأغطش ليلها } أي أظلم ليلها { وأخرج ضحاها } فأبرز ضوء شمسها، يدل عليه قوله:
والشمس وضحاها
[الشمس: 1] وأضاف الليل والنهار إلى السماء لأنهما يكونان بظهور الشمس فيها وغيبتها منها.
Página desconocida