[البقرة: 71] والبقرة الحرث المثيرة، وقيل: سمي ثورا لاثارة الأرض { وعمروها } يعني أولئك المدمرون { أكثر مما عمروها } يعني أهل مكة واد غير ذي زرع ما لهم إثارة الأرض أصلا { وجاءتهم رسلهم بالبينات } فلما كذبوا أهلكهم الله { فما كان الله ليظلمهم } فما كان تدميره إياهم ظلما { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } حيث عملوا ما أوجب تدميرهم { ثم كان عاقبة الذين أساؤوا } أي عملوا السوء وكذبوا الرسل { السوأى } قيل: العذاب، وقيل: جهنم { أن كذبوا بآيات الله } ورسوله { وكانوا بها يستهزئون } { الله يبدأ الخلق ثم يعيده } أي خلقهم ابتداء ثم يعيدهم يوم القيامة بعد فنائهم { ثم إليه ترجعون } أي إلى ثوابه وعقابه { ويوم تقوم الساعة } قيل: تقوم الناس للساعة { يبلس المجرمون } أي ييأسون من رحمة الله، وقيل: تنقطع حجتهم والله أعلم { ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء } الذين عبدوهم في الدنيا من يشفع؟ { وكانوا بشركائهم كافرين } لأنهم زعموا أنها تشفع لهم فلما عرفوا ما كانوا فيه من الضلال كفروا بالشركاء، أي جحدوا وأنكروا الأوثان.
[30.14-23]
{ ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون } يعني أهل الجمع يجمعون ثم يتفرقون فيصيرون فريقين كما قال فريق في الجنة وفريق في السعير { فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون } قيل: يكرمون أو يتمتعون ويسرون { وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون } أي يحضرون في جهنم للعذاب { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون } هذا خبر والمراد الأمر أي سبحوه أو نزهوه عن أن تصفوه بما لا يليق به من الصفات والأسماء والأفعال، وقيل: المراد به الصلوات الخمس، وقيل لابن عباس: هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال: نعم، وتلا هذه الآية { تمسون } صلاة المغرب والعشاء { وتصبحون } صلاة الفجر { وعشيا } صلاة العصر { وحين تظهرون } صلاة الظهر { وله الحمد في السماوات والأرض } يعني هو المستحق للحمد لأنه هو المنعم عليهم، ومعناه على المميزين كلهم من أهل السماوات والأرض أي يحمدوه { يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي } قيل: النطفة من الإنسان والإنسان من النطفة، وقيل: المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن { ويحيي الأرض بعد موتها } من النبات والثمار بعد موتها وهو إخراج النبات منها { وكذلك تخرجون } ومثل ذلك الإخراج تخرجون وتبعثون { ومن آياته } من حججه { أن خلقكم من تراب } الآية، خلق أصلكم منه { ثم إذا أنتم بشر تنتشرون } { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا } لأن حواء خلقت من ضلع آدم والنساء بعدها خلقن من أصلاب الرجال أو من شكل أنفسكم وجنسها لا من جنس آخر { لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } بين المرأة وزوجها ولم يكن بينكم سابقة في معرفة ولا لقاء ولا سبب يوجب التعاطف من قرابة ورحم، وعن الحسن: المودة كناية عن الجماع والرحمة عن الولد، وقيل: أن الرحمة والمودة من قبل الله { إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } فيها { ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم } باختلاف اللغات وأجناس النطق وأشكاله، خالف عز وجل بين هذه الأشياء حتى لا تكاد تسمع منطقين متفقين في همس ولا فصاحة ولا لكنة ولا نظم ولا أسلوب ولا غير ذلك من صفات النطق، وكذلك الصور والألوان ولاختلاف ذلك وقع التعارف، وإلا فلو اتفقت وتشاكلت وكانت ضربا واحدا لوقع التجاهل والالتباس ولتعطلت مصالح كثيرة { إن في ذلك لآيات للعالمين } المكلفين لأن ذلك يشاهده كل أحد { ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله } أي طلبكم من نعمته.
[30.24-29]
{ ومن آياته يريكم البرق خوفا } وهو نار يحدث في السحاب خوفا { وطمعا } من الحلف وطمعا في المطر، وقيل: خوفا للمسافر وطمعا للمقيم { وينزل من السماء ماء فيحي به الأرض بعد موتها } بعد يبسها { إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون } يستدلون { ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره } أي قومها من غير عمد، يعني قيام السماء والأرض واستمساكهما بغير عمد من أعظم الآيات على توحيده بأمره، أي بقوله كونا قائمتين { ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون } وذلك خروج الموتى من القبور إذا دعاهم دعوة من الأرض دعوة واحدة يا أهل القبور اخرجوا والمراد سرعة وجود ذلك وهو منادي القيامة { وله من في السماوات والأرض } ملكا وخلقا { كل له قانتون } مطيعون في تصريفه لا يمتنع عليه شيء مما يريد بهم من إحياء أو موت أو صحة أو مرض { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده } أي يخلقهم ابتداء ثم يعيدهم بعد الفناء { وهو أهون عليه } أي هين عليه سهل يسير { وله المثل الأعلى } الوصف الأعلى الذي ليس لغيره مثله مذ عرف به ووصف { في السماوات والأرض } وهو أنه القادر لا يعجز عن شيء من إنشاء وإعادة وغيرهما من المقدروات، ويدل عليه قوله: { وهو العزيز الحكيم } أي القادر على كل مقدور الحكيم في صنعه، وعن مجاهد: المثل الأعلى قوله لا إله إلا الله ومعناه أوله الوصف الأعلى الذي هو الوصف بالوحدانية ويعضده قوله: { ضرب لكم مثلا من أنفسكم } معناه هل ترضون لأنفسكم وعبيدكم أمثالكم بشر كبشر وعبيد كعبيد وأن يشاركهم بعضهم { فيما رزقناكم } من الأموال وغيرها أن تكونوا أنتم وهم فيه على السواء من غير تفصيلة بين حر وعبد، تهابون أن تستبدوا بتصرف دونهم وأن تفانوا بتدبير عليهم كما تهاب بعضكم بعضا من الأحرار، وإذا لم ترضوا فرب الأرباب ومالك الأحرار والعبيد أن تجعلوا بعض عبيده له شركاء { كذلك نفصل الآيات } أي نبينها لأن التمثيل مما يكشف المعاني ويوضحها { لقوم يعقلون } يعلمون بأن يستدلوا { بل اتبع الذين ظلموا } أي أشركوا بقوله تعالى:
إن الشرك لظلم عظيم
[لقمان: 13] { بغير علم } أي اتبعوا { أهواءهم } جاهلين { فمن يهدي من أضل الله } أي من خذله ولم يلطف به لعلمه أنه ممن لا لطف له { وما لهم من ناصرين } من ينصرهم لينجيهم من عذاب الله تعالى.
[30.30-39]
{ فأقم وجهك } ، قيل: أدم على الاستفتاء في الدين، وقيل: أطع الله في أمره { حنيفا } مائل من جميع الأديان إلا دين الإسلام { فطرة الله } التقوى { التي فطر الناس عليها } يعني ولأجلها خلق، وفيه إضمار، أي اتبع فطرته وهو ابتداء خلقه للأشياء لأنه خلقهم وركبهم وصورهم على وجه دل على أن لها صانعا قادرا عالما حيا سمعيا بصيرا واحدا لا يشبه شيء { لا تبديل لخلق الله } أي لدين الله { ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } أنه خلقهم للعبادة، وقيل: لا يعلمون أن الدين القيم الاسلام { منيبين إليه واتقوه } أي راجعين إليه بالتوبة مقبلين عليه بالطاعة { واتقوه } أي واتقوا عذابه { ولا تكونوا من المشركين } { من الذين فرقوا دينهم } تركوا دين الاسلام أو فرقوا، أي كل واحد منهم كان على دين ما تهواه فهم جعلوه إيمانا والحق واحد { وكانوا شيعا } أي فرقا لكل واحد منهم مذهب ودين، وقيل: هم اليهود والنصارى، وقيل: جميع الكفار، وقيل: هم أهل البدع { كل حزب } جماعة { بما لديهم فرحون } يعني بما يعبدونه من المذاهب والدين { وإذا مس الناس ضر } مرض أو فقر أو ما أصابهم في أنفسهم وأموالهم { دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة } قيل: استجاب دعاءهم ورحمهم، وقيل: أعطاهم نعمة، وقيل: الرحمة الخصب والنعم { إذا فريق منهم بربهم يشركون } ، قوله تعالى: { ليكفروا بما آتيناهم } بإضافة النعم إلى غيره { فتمتعوا } بهذه الدنيا { فسوف تعلمون } عاقبة أمرهم إذا بعثوا للجزاء { أم أنزلنا عليهم سلطانا } قيل: برهانا إلى ما ذهبوا إليه، وقيل: رسولا، وقيل: حجة، وقيل: كتاب { فهو يتكلم بما كانوا به يشركون } أي يتكلم بحجة وعذر لهم في شركهم { وإذا أذقنا الناس رحمة } أي نعمة من مطر وسعة أو صحة { فرحوا بها وإن تصبهم سيئة } أي بلاء من جدب أو ضيق بحسب المصلحة، فلا ينبغي أن يقنطوا عند الشدة { إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون } وخصهم لأنهم انتفعوا بالآيات { فآت ذا القربى حقه } ، قيل: خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: الخطاب لغيره، حق ذي القربى صلة الرحم، وحق { المسكين وابن السبيل } نصيبهما من الصدقة، والمسكين الذي لا شيء له، وابن السبيل المسافر المنقطع عن ماله { ذلك خير } فعل ما أمر الله به { للذين يريدون وجه الله } أي ابتغاء مرضاته وثوابه { وأولئك هم المفلحون } الفائز بالبقاء الدائم { وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس } أراد الربا المحظور { فلا يربوا عند الله } ولا يبارك فيه { وما آتيتم من زكاة } أي أعطيتم من الزكاة على ما فرض الله وشرعه { تريدون وجه الله } أي طلب ثوابه ومرضاته { فأولئك هم المضعفون } أي يضاعف لهم الثواب على ذلك.
[30.40-50]
Página desconocida