[23.12-20]
{ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } أي خلقنا الإنسان مسلوة من الطين أي مسخرا منه قيل: استل آدم من أديم الأرض فخلق منه، وقيل: استل من الطين { ثم جعلناه } أي جعلنا الإنسان وهو ذرية آدم { نطفة في قرار مكين } { ثم خلقنا النطفة علقة } أي قطعة دم جامد { فخلقنا العلقة مضغة } أي قطعة لحم { فخلقنا } تلك { المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر } أي جعلناه على صورة قبل نفخ الروح وذلك حيث جعله حيوانا، وكان جمادا وناطقا، وكان أبكم وسميعا وكان أصم، وبصيرا، وكان أكمه { فتبارك الله أحسن الخالقين } فتبارك الله: فتعالى أمره في قدرته وعلمه، أحسن الخالقين أحسن المقدرين، وروي أن عبد الله بن أبي سرح كان يكتب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنطق بذلك، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " اكتب فبهكذا نزلت " فقال عبد الله: إن كان محمد نبيا يوحى إليه فإني نبي يوحى إلي، فلحق بمكة كافرا ثم أسلم يوم الفتح { ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق } أي سبع سماوات وسميت بذلك لأنها طرق الملائكة { وما كنا عن الخلق غافلين } فننزل عليكم من السماء يعني من المطر ما يحييكم ويرزقكم، وقيل: أراد خلقنا السماوات والأرض وما كنا غافلين عن شيء { وأنزلنا من السماء ماء بقدر } صفة للماء، أي بقدر معلوم لا يزيد عليه ولا ينقص منه، وعن ابن مسعود: ليست سنه أمطر من سنة لكن الله يصرفه حيث يشاء، وقيل: بقدر ما يكفيهم لزرعهم وشربهم، وقيل: هذا الماء غير ماء المطر وإنما هو أنهار خمس تجري من الجنة، سيحون نهر الهند، وجيحون نهر بلح، ودجلة والفرات نهر العراق، والنيل هو نهر مصر { وإنا على ذهاب به لقادرون } فيهلكوا عطشا وتهلك المواشي وتيبس الأشجار وتخرب الأرض { فأنشأنا لكم به } أي أحدثنا وخلقنا لنفعكم، قوله تعالى: { جنات } بساتين { من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة } وإنما أجرى العادة أن يخلقها عند سقي الماء { وشجرة تخرج من طور سيناء } ، قيل: هو اسم للجبل الذي نودي فيه موسى وهو كثير الشجر، والمراد بالشجرة الزيتون { تنبت بالدهن } معناه تنبت ثمرها بالدهن، والباء زائدة، { وصبغ للآكلين } أي..... آدم.
[23.21-29]
{ وإن لكم في الأنعام لعبرة } أي دلالة مؤدية إلى يقين { نسقيكم مما في بطونها } يعني ألبانها { ولكم فيها منافع كثيرة } من اللحم والشعر والجلد { ومنها تأكلون } { وعليها } يعني على الأنعام { وعلى الفلك } السفينة { تحملون } في البر والبحر { ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه } قيل: سمي نوحا لكثرة ما ناح على نفسه عن ابن عباس، وقيل: أنه دعا على قومه بالهلاك، وقيل: لدعائه في شأن ابنه { فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } فبدأ بالتوحيد لأنه الأهم { أفلا تتقون } مخالفته ومعاصيه، وقيل: أفلا تتقون الشرك؟ { فقال الملأ الذين كفروا من قومه } يعني الأشراف وكانوا يصدون عن اتباعه { ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم } أي يتشرف ويترأس فيكون له الجاة والفضل عليكم { ولو شاء الله لأنزل ملائكة } أي لو شاء الله لأنزل ملائكة ولم يرسل بشرا { ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين } ، قيل: بهذا الدين، وقيل: بمثل دعوته { إن هو إلا رجل به جنة } أي مجنون { فتربصوا به حتى حين } وإنما نسبوه إلى الجنون حتى حين قيل: انتظروا حتى يفيق من جنونه، وقيل: معناه احبسوه مدة ليرجع عن قوله، وقيل: إلى موته، فلما أيس منهم دعا الله سبحانه { قال رب انصرني } عليهم بإهلاكهم { بما كذبون } { فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا } بحيث يراها الرائي من عباده بعينه، وقيل: بأعين أوليائنا من الملائكة والمؤمنين فإنهم يحرسوك، وقيل: بحفظنا { ووحينا } أي أمرنا { فإذا جاء أمرنا } ، قيل: نصرنا، وقيل: هو عبارة عن فوران الماء، وقيل: أمرناه بالدعاء { وفار التنور } أي علا التنور بالماء وكان ذلك علامة ومعجزة لنوح، وقيل: معناه اشتد الأمر كما يقال حمى الوطيس { فاسلك فيها من كل زوجين } أي من كل زوجين ذكر وأنثى، قال الحسن: فجمع معه من بلد وسص دون الحرسات { وأهلك } من آمن معك { إلا من سبق عليه القول منهم } يعني من تقدم الوعيد عليه لأجل كفرهم كابنه وامرأته { ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون } { فإذا استويت أنت ومن معك } من المؤمنين يعني استقررت وركبت السفينة قيل: ركب معه سبعة ونوح { فقل الحمد الله الذي نجانا من القوم الظالمين } يعني احمدوا الله حيث نجاكم من أذاهم وأهلك الكافرين، قوله تعالى: { وقل رب انزلني منزلا } قرئ بالفتح المنزل أي الموضع وبالضم، وقيل: أراد السفينة سبب النجاة، وقيل: أراد بعد الخروج من السفينة، وقيل: هو عام في كل وقت { وأنت خير المنزلين } لأن الله يحفظه ويحرسه في جميع الأحوال.
[23.30-44]
{ إن في ذلك } قيل: قصة نوح، وقيل: ما تقدم { لآيات } لدلائل { وإن كنا لمبتلين } مختبرين بالدلالات ليعلموا صنائعهم وينكروه، وقيل: لمبتلين لمعاقبين لمن سلك سبيل قوم نوح في تكذيب الأنبياء { ثم أنشأنا من بعدهم } أي من بعد ما أهلكناهم { قرنا آخرين } جماعة من الناس { فأرسلنا فيهم رسولا منهم } هود لأنه المبعوث بعده { أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } فبدأ أيضا بالتوحيد، فلما لم يقبلوا منه قال: { أفلا تتقون } ، قيل: الشرك، وقيل: المعاصي { وقال الملأ من قومه } يعني الأشراف { الذين كفروا } بالله { وكذبوا بلقاء الآخرة } أي بالبعث والجزاء { وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون } { ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون } باتباعه { أيعدكم } هذا الرسول { أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما } يعني صرتم بعد الموت رميما وترابا { أنكم مخرجون } من قبوركم { هيهات هيهات لما توعدون } قيل: بعد الهدى الذي توعدون { إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيى } قيل: نحيى حياة ثم نموت ولا إعادة، وقيل: يموت قوم منا ويحيا قوم { وما نحن بمبعوثين } بعد ذلك والله أعلم { إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا } وما نحن له بمؤمنين بمصدقين فيما يقول { قال رب انصرني بما كذبون } أي انصرني عليهم بأن يهلكهم لأجل تكذيبهم، فأجاب الله دعاءه وأخبر أنه سيهلكهم عن قريب فقال سبحانه: { قال عما قليل } أي عن قليل من المدة، وما صلة { ليصبحن نادمين } عن كفرهم { فأخذتهم الصيحة } صيحة العذاب، وقيل: هم ثمود صاح بهم جبريل { فجعلناهم غثاء } أي موتا، وقيل: هو المتفتت البالي في الشجر يحمله السيل عن ابن عباس { فبعدا للقوم الظالمين } قيل: بعدا لهم من الرحمة { ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين } يعني أحدثنا من بعدهم قرونا آخرين ، أي جماعات من الناس { ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون } قيل: وعيد لهم، يعني ما يسبق أحد ما قدر له وما يتأخر { ثم أرسلنا رسلنا تترى } أي متواترة تتبع بعضهم بعضا { كل ما جاء أمة رسولها كذبوه } فيما جاء به { فأتبعنا بعضهم بعضا } في الإهلاك { وجعلناهم أحاديث } أي يحدث بهم على طريق المثل في الشر فأما في الخير فلا، يعني جعلناهم أخبارا يستمر بها ويتعجب منها { فبعدا لقوم لا يؤمنون } أي فبعدا لهم من الرحمة.
[23.45-61]
{ ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين } أي حجة بينة، وهي المعجزات التي أعطي موسى { إلى فرعون وملئه } يعني قومه { فاستكبروا } يعني تعظموا وتكبروا عن الإيمان { وكانوا قوما عالين } أي متكبرين قاهرين للخلق ظلما { فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا } هو استفهام والمراد الإنكار { وقومهما } يعني بني إسرائيل { لنا عابدون } مطيعون لنا طاعة العبد لمولاه، وروي أنهم كانوا يعبدون فرعون { فكذبوهما فكانوا من المهلكين } { ولقد آتينا موسى الكتاب } يعني التوراة { لعلهم يهتدون } أي لكي يهتدون، يعني قومه { وجعلنا ابن مريم وآمه آية } ثم عطف على ما تقدم بذكر عيسى (عليه السلام) وجعلهما آية ومعجزة لعيسى (عليه السلام) { وآويناهما إلى ربوة } أي أرض مرتفعة قيل: فلسطين، وقيل: دمشق، وقيل: أرض بيت المقدس فإنها كبد الأرض وأقرب إلى السماء بثمانية عشر ميلا عن كعب { ذات قرار ومعين } قيل: ذات استواء وسعة يستقر عليها، وقوله: { معين } ماء جاري ظاهرا { يأيها الرسل كلوا من الطيبات } الخطاب عام للجميع، وقيل: هو خطاب لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والطيبات قيل: الحلال، وقيل: كل ما يستطاب، وروي أن عيسى كان يأكل من غزل أمه { واعملوا صالحا } هو أمر بالطاعات { إني بما تعملون عليم } فمجازيكم بأعمالكم وفيه تحذير عن مخالفته....... بطاعته { وإن هذه أمتكم أمة واحدة } قيل: دينكم دين واحد، وقيل: خطاب للرسل وفيه حذف، أي وقلنا لهم ودينكم واحد فيما يلزمكم من التوحيد والعدل، وقيل: خطاب لهذه الأمة ان أمتكم أمة واحدة، يعني جميع الأمم في أنهم عبيد الله { وأنا ربكم } خالقكم { فاتقون } أي فاتقوا مخالفة أمري، ثم أخبر سبحانه عن الأمم فقال: { فتقطعوا أمرهم بينهم } أي تفرقوا وتقطعوا إشارة إلى أشد الاختلاف وذلك أنهم اتبعوا علماء السوء ورؤساء القوم { زبرا } ، قيل: كتبا، والمعنى تفرقوا فآمن كل فريق بكتاب وكفر بغيره كاليهود آمنوا بالتوراة وكفروا بالإنجيل والفرقان، والنصارى آمنوا بالإنجيل وكفروا بالتوراة والقرآن، وقيل: أحدثوا كتابا يحتجون لمذهبهم { كل حزب بما لديهم فرحون } كل جماعة بما لديهم من دينهم فرحون مسرورون ومتعجبون { فذرهم } أي اتركهم وهذا وعيد.... قيل: في كفرهم، وقيل: في عماهم، وقيل: في غفلتهم { في غمرتهم } أي وقت الموت والمعاينة، وقيل: إلى يوم القيامة، وقيل: يوم بدر { أيحسبون } يعني يظنون هؤلاء الكفار { أنما نمدهم } نعطيهم ونزيدهم { من مال وبنين } { نسارع لهم في الخيرات } يعني لما أعطوا نعيم الدنيا ظنوه ثوابا لأنهم أنكروا المعاد { بل لا يشعرون } لا يعلمون إن ذلك ليس بثواب وإنما هو ابتلاء، ولما بين حال المؤمنين المسارعين في الخيرات فقال سبحانه: { إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون } خائفون { والذين هم بآيات ربهم يؤمنون } يصدقون { والذين هم بربهم لا يشركون } أي يوحدون الله ويعبدونه { والذين يؤتون ما آتوا } أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والديون والودائع والأمانات { وقلوبهم وجلة } أي خائفة { إنهم إلى ربهم راجعون } إلى حكمه { أولئك يسارعون في الخيرات } في طاعة الله { وهم لها سابقون } يعني لما علم منهم الأعمال الصالحة حكم لهم بالسعادة، وقيل: إلى الخيرات سابقون، ولها بمعنى إليها، وقيل: من أجل الخيرات سابقون إلى الجنة.
[23.62-71]
{ ولا نكلف نفسا إلا وسعها } إلا وسع عليها فعله كالمصلي لا يجد الماء جاز التيمم، ونحو { ولدينا كتاب ينطق بالحق } يعني وعيد بالكتاب ينطق بالحق وذلك كتاب الحفظة، وقيل: اللوح المحفوظ كتب فيه أعمال الخلق لتعرفه الملائكة { وهم لا يظلمون } جزاء أعمالهم { بل قلوبهم في غمرة } أي حيرة، وقيل: في غفلة شديدة { من هذا } الكتاب المشتمل على الوعد والوعيد { ولهم أعمال من دون ذلك } أي من دون الشرك من الفسق والظلم ونحوه { هم لها عاملون } أي بها عاملون { حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب } يعني متنعميهم ورؤساءهم قيل: يوم القيامة، وقيل: بالسيف يوم بدر، وقيل: بالجوع حين دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) { إذا هم يجأرون } قيل: يصيحون لشدة العذاب ويجزعون، وقيل: يصرخون بالتوبة { لا تجأروا اليوم } لا تصيحوا اليوم وهو يوم القيامة { إنكم منا لا تنصرون } لا تمنعون، وقيل: لا تنصرون بقبول التوبة { كانت آياتي تتلى عليكم } يعني القرآن يتلى عليكم { فكنتم على أعقابكم تنكصون } ترتدون وتستأخرون، قيل: هذا مثل والمراد ترتدون { مستكبرين به } أي متعظمين متكبرين إذا سمعوا القرآن، ومعنى استكبارهم تكذيبهم به { سامرا } السامر المحدث بالسمر ليلا { تهجرون } من أهجر في منطقه إذا أفحش، وسمي حديث الليل سميرا لأنهم يقعدون في ظل القمر فيتحدثون، يسمرون بالليل حول الكعبة لنسخ أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) { تهجرون } قيل: تعرضون، وقيل: تقولون الهجر وهو السيء من القول { أفلم يدبروا القول } يعني أفلم يتفكروا في القرآن يتلى عليهم { أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين } يعني أهذا شيء جاءهم ولم يأت أباءهم حتى أنكروه لكونه بدعا وقد بعث في الأمم الرسل قبلهم، وقيل: إنهم منعوا بالجهل ولما جاءهم مالم يأت أباءهم جحدوا به { أم لم يعرفوا رسولهم } محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) { فهم له منكرون } يعني ينكروا إرساله الرسول حسدا وبغيا { أم يقولون به جنة } قيل: مجنون { بل جاءهم بالحق } قيل: كذبوا فيما قالوا إلا أن الحق قد جاءهم { وأكثرهم للحق كارهون } { ولو اتبع الحق أهواءهم } لانقلب باطلا ولذهب ما يقوم به العالم فلا يبقى بعده قوام، أو أراد أن الحق الذي جاء به محمد وهو الإسلام لو اتبع أهواءهم وانقلب شركا لجاء الله بالقيامة ولأهلك العالم ولم يؤخر، وعن قتادة أن الحق هو الله، ومعناه: ولو كان الله إلها يتبع أهواءهم ويأمر بالشرك والمعاصي لما كان إلها ولكان شيطانا ولما قدر على أن يمسك السماوات والأرض { بل أتيناهم بذكرهم } أي بالكتاب الذي هو ذكرهم أو وعظهم، أو بالذكر الذي كانوا يتمنونه
Página desconocida