186

Tafsir

تفسير الأعقم

Géneros

[22 - سورة الحج]

[22.1-2]

خاطب تعالى جميع الخلائق وابتدأ بالأمر بالتقوى وعقبه بذكر الوعد لمن خالف أمره فقال سبحانه: { يأيها الناس } المكلفين { اتقوا ربكم } أي اتقوا عذابه، وقيل: اتقوا معاصيه الموجبة لعذابه يوم القيامة { إن زلزلة الساعة شيء عظيم } الزلزلة شدة الحركة، أي حركة الأرض يوم القيامة، وقيل: الزلزلة تقرب القيامة من أشراطها وتكون في الدنيا، وقيل: تكون يوم القيامة في حديث مرفوع، شيء عظيم أي أمر هائل { يوم ترونها } ، قيل: الزلزلة، وقيل: الساعة { تذهل كل مرضعة } أي تشتغل عن ابن عباس، وقيل: تلهو حتى تذهلها الزلزلة، والمرضعة التي هي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصبي، المرضع التي شأنها أن ترضع ثديها نزعته عن فيه لما يلحقها من الدهشة { عما أرضعت } عن إرضاعها أو هو الذي أرضعته وهو الطفل، وعن الحسن: تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام { وتضع كل ذات حمل حملها } فتضع الحامل ما في بطنها لغير تمام، قال الحاكم: هذا مثل لو كان مرضعة وحامل لكان حالهم هذا من هول ذلك اليوم، وأما ما حمله على أنه يكون في الدنيا فيصح حمله على الحقيقة { وترى الناس سكارى وما هم بسكارى } على الحقيقة ولكن ما رهقهم من خوف عذاب الله هو الذي أذهب عقولهم، وتراهم سكارى من الخوف وما هم بسكارى من الشراب، وقيل: وترى أيها السامع الناس سكارى من الفزع وما هم بسكارى من شرب الخمر { ولكن عذاب الله شديد } إذا عاينوه تحيروا وزالت عقولهم.

[22.3-10]

{ ومن الناس من يجادل في الله } الآية نزلت في النضر بن الحرث وكان يقول: هذا القرآن أساطير الأولين، وقيل: المجادلة في عباده { ويتبع كل شيطان مريد } عاصي عادي، وقيل: من الجن والإنس { كتب عليه } ، قيل: قضي عليه وحكم، وقيل: كتب في اللوح المحفوظ، وقيل: على الشيطان، وقيل: على المجادل بالباطل { من تولاه } اتبعه وولاه { فأنه يضله } عن الدين { ويهديه إلى عذاب السعير } يعني الشيطان يدعوه إلى ما يوجب النار، ثم ذكر الحجة في البعث فإن الأقرب أن الجدال فيه فقال: { يأيها الناس } خطاب للمكلفين { إن كنتم في ريب } أي في شك { من البعث } وهو إحياء الأموات يوم القيامة للجزاء بعد أن صاروا ترابا فالدليل على صحته { انا خلقناكم من تراب } يعني أصلكم وهو آدم فمن قدر على أن يصير التراب بشرا سويا حيا في الابتداء قدر على أن يحيي العظام { ثم من نطفة } يعني ذريته { ثم من علقة } بأن تصير النطفة علقة وهو الدم الغليظ { ثم من مضغة } بأن تصير العلقة مضغة وهو قطع اللحم { مخلقة وغير مخلقة } ، قيل: تامة الخلق وغير تامة الخلق، وقيل: مصورة وغير مصورة، يعني السقط، قال جار الله: المخلقة المسواة الملساء من النقصان والعيب من قولهم صخرة خلقاء إذا كانت ملساء، والله تعالى يخلق المضغ متفاوتة، منها ما هو كامل الخلقة، أملس من العيوب، ومنها ما هو على عكس ذلك، فيتبع ذلك تفاوت الناس في خلقهم وصورتهم وطولهم وقصرهم وتمامهم ونقصانهم، وإنما نقلناكم من حال إلى حال ومن خلقة إلى خلقة { لنبين لكم } بهذا التدريج قدرتنا وحكمتنا { ونقر في الأرحام ما نشاء } إلى التمام، وقيل: علقة ومضغة مخلقة مدة على ما يغله تعالى { إلى أجل مسمى } وقت مسمى يخرج الولد عنده { ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم } نهاية عقولكم { ومنكم من يتوفى } يقبض روحه فيموت في حال شبابه أو صغره { ومنكم من يرد إلى أرذل العمر } ، قيل: أحسنه وأحقره، وقيل: هو الهرم والخرف { لكيلا يعلم من بعد علم شيئا } يعني يصير إلى حين يعدم عقله فلا يعلم شيئا أو يذهب علومه هرما، ثم ذكر دليلا آخر فقال سبحانه: { وترى الأرض هامدة } يابسة دارسة من أثر النبات { فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت } تحركت بالنبات { وربت } زادت بالنبات لمجيء الغيث { وأنبتت } يعني الأرض { من كل زوج } صنف من النبات { بهيج } حسن الصورة والمنظر { ذلك بأن الله هو الحق } الآية، الثابت الموجود، وأنه قادر على إحياء الموتى وعلى كل مقدور وأنه حكيم لا يخلف ميعاده، وقد وعد الساعة والبعث فلا بد أن يفي ميعاده { ومن الناس من يجادل في الله } الآية نزلت في النضر بن الحارث وكان ينكر البعث ويقول الملائكة بنات الله، وإنما جادل في صفات الله وتوحيده وعدله وهم علماء السوء { بغير علم } أي لا يرجع فيما يقوله، إلى علم { ولا هدى ولا كتاب منير } يؤدي إلى الحق وإنما يتبع الهوى والتقليد { ثاني عطفه } يعني أمال عنقه عن الحق اغترارا لنفسه وخوفا على جاهه، وقيل: يلوي عنقه كبرا، وثني العطف عبارة على الكبر { ليضل عن سبيل الله } فيضل الناس عن الدين { له في الدنيا خزي } هوان وذل، وقيل: هو ما لحقهم يوم بدر، قوله تعالى: { ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق } يعني عذاب النار، ثم تقول لهم الملائكة يومئذ { ذلك } العذاب { بما قدمت } أيديكم { يداك } من العمل { وأن الله ليس بظلام للعبيد } في تعذيبهم لأنه عذبهم بما قدموا.

[22.11-15]

{ ومن الناس من يعبد الله على حرف } الآية نزلت في ناس من المنافقين كان بعضهم إذا قدم المدينة مهاجرا وصح جسمه ونتجت فرسه مهرا وولدت امرأته غلاما وكثرت ماشيته رضي به واطمأن اليه وقال: ما أصبت مذ دخلت في هذا الدين إلا خيرا، وإن أصابه وجع باطن وولدت امرأته جارية وذهب ماله قال: ما أصبت من يوم دخلت في هذا الدين إلا شرا، فنزلت الآية { ومن الناس من يعبد } عن ابن عباس، وقيل: نزلت في المنافقين لأنهم يمدحون الدين في وقت ويذمونه في وقت، وقيل: نزلت في بني أسد جاؤوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسألوه أفضاله فإن أعطاهم قالوا: نعم الدين هذا، وإن منعهم قالوا: نرجع إلى الشرك، الحرف والطرف والجانب نظائر ومنه حرف السيف { فإن أصابه خير } في بدنه وسعة في معيشته { اطمأن به } أي شكر { وإن أصابته فتنة } بلاء في جسمه وضيق في معاشه { انقلب على وجهه } أي رجع إلى ما كان عليه { خسر الدنيا والآخرة } أي ذهب حظه في الدارين من العز والكرامة { ذلك هو الخسران المبين } الظاهر { يدعو } من يعبد الله على حرف { ما لا يضره وما لا ينفعه } يعني الأوثان لا ينفع إن أطاعه ولا يضر إن عصاه { ذلك هو الضلال البعيد } أي الذاهب عن الحق { يدعو لمن ضره أقرب من نفعه } ، قيل: الأصنام، وقيل: الرؤساء لأنها لا تنفع وعبادتها تضر { لبئس المولى ولبئس العشير } المولى الناصر، والعشير الصاحب النافع، ثم بين تعالى ما ينال باتباع أمره إذا كان من تقدم باتباعهم الضلال فقال سبحانه: { إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار } أي من تحت أشجارها وأبنيتها { إن الله يفعل ما يريد } فيجازي كل أحد بعمله، وقيل: نزول قوله: { من كان يظن أن لن ينصره الله } الآية نزلت في أسد وغطفان تنافلوا عن الإسلام وقالوا: نخاف أن لا ينصر محمد فيقطع الذي بيننا وبين اليهود من الحلف فلا يميرونا، قال جار الله: هذا كلام قد دخله اختصار، والمعنى أن الله ناصر رسوله { في الدنيا والآخرة } الآية فمن كان يظن حاسديه وأعاديه أن الله يفعل خلاف ذلك ويطمع فيه فليستقص وسعه ويستفرغ جهده في إزالة ما يعطيه بأن يفعل ما يفعل من بلغ منه الغيظ كل مبلغ حتى مد حبلا إلى سماء بيته فاختنق { فلينظر } ويتصور في نفسه أنه إن فعل ذلك هل يذهب نصر الله الذي يعطيه، وسمي الاختناق قطعا لأن المختنق يقطع نفسه، وسمي فعله كيدا لأنه وضعه موضع الكيد حيث لم يقدر على غيره أو على سبيل الاستهزاء لأنه لم يكيد به محسوده إنما كاد به نفسه، وقيل: فليمدد بحبل إلى السماء المظلمة، وليصعد عليه فليقطع الوحي أن ينزل، وقد فسر النصر بالرزق، وقيل: معناه أن الأرزاق من الله لا ينال إلا بمشيئته، ولا بد للعبد من الرضا بقسمته، فمن ظن أن الله غير رازقه وليس به صبر فليبلغ غاية الجزع وهو الاختناق، قال في الحاكم: من كان يظن أن الله لا ينصر نبيه وأنه يتهيأ له أن يغلب نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) { فليمدد بسبب إلى السماء } أي ليطلب شيئا يصل به إلى السماء فيقطع نصر الله لنبيه على أعدائه، وإنما ذكر السماء لأن النصر يأتيه من قبل السماء ومن قبل الملائكة.

[22.16-22]

{ وكذلك أنزلناه } يعني القرآن كله { آيات بينات } حجج على التوحيد والعدل { وأن الله يهدي } به الذين يعلم أنهم يؤمنون، وقيل: يهدي إلى طريق الجنة { إن الذين آمنوا } بمحمد وقبلوا دينه { والذين هادوا } وهم اليهود ونسبوا إلى اليهودية من قولهم إنا هدنا إليك { والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا } ، قال قتادة: الأديان ستة: خمسة للشيطان وواحد للرحمان، فالمؤمن من آمن بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والكافر اليهود والنصارى والصابئين والمجوس والذين أشركوا { إن الله يفصل بينهم يوم القيامة } بين المحق والمبطل بأن بين المحق من المبطل وينصف المظلوم من الظالم { إن الله على كل شيء شهيد } عالم بأحوالهم يجازي كل أحد بعمله { ألم تر أن الله } يعني ألم تر أيها السامع، وقيل: ألم تعلم، والرؤية بمعنى العلم، وقيل: الرؤية بالنظر، والأول أصح كأنه قيل: ألم تر بعقلك وقلبك أن الله يسبح { له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب } ، قيل: تخضع له فيصرفها كما شاء قال الشاعر:

تجمع بظل البليق في حجراته

Página desconocida