181

Tafsir

تفسير الأعقم

Géneros

[الفرقان: 7] { وما كانوا خالدين } باقيين في الدنيا لا يموتون فذلك حالك { ثم صدقناهم } الوعد في إهلاك أعدائهم كذلك نفعل بك وبقومك المكذبين لك { فأنجيناهم } فخلصناهم { ومن نشاء } من المؤمنين { وأهلكنا المسرفين } بالمعاصي المجاوزين حدود الله { لقد أنزلنا إليكم كتابا } يعني القرآن { فيه ذكركم } قال جار الله: شرفكم أو موعظتكم، أو فيه مكارم الأخلاق التي كنتم تطلبون بها الثناء، وحسن الذكر كحسن الجوار، والوفاء بالعهد، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، والسخاء وما أشبه ذلك قال في الحاكم: ما يحتاجون إليه من أمر دينهم، وقيل: موعظة لما وعد الله { أفلا تعقلون } أفلا تعلمون أن الأمر كما أخبرناكم.

[21.11-23]

{ وكم قصمنا من قرية } واردة على غضب شديد، ومنادية على سخط عظيم، لأن القصم أقطع من الكسر، قصمت الشيء كسرته، وأراد بالقرية أهلها ولذلك وصفها بالظلم { وأنشأنا بعدها قوما آخرين } لأن المعنى أهلكنا قوما وأنشأنا آخرين، وعن ابن عباس: انها حضور وسحول قريتان باليمن تنسب اليهما الثياب وفي الحديث: " كفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ثوبين سحوليين " ، وروي " حصوريين " بعث الله اليهم نبيا فقتلوه، فسلط الله عليهم بخت نصر كما سلطه على أهل بيت المقدس فاستأصلهم، وروي أنه لما أخذتهم السيوف نادى منادي يا ثارة الأنبياء ندموا واعترفوا بالخطأ وذلك حين لم ينفعهم الندم، وظاهر الآية على الكثرة، ولعل ابن عباس ذكر حصور بأنها إحدى القرى فلما علموا شدة عذابنا وبطشنا علم حسن...... لم يشكوا فيها ركضوا من ديارهم، والركوض: ضرب الدابة بالرجل، ومنه قوله تعالى:

اركض برجلك

[ص: 42]ويجوز أن يركبوا دوابهم يركضونها هاربين منهزمين من قريتهم لما أدركتهم مقدمة العذاب، ويجوز أن شبهوا في سرعة عدوهم على أرجلين بالراكبين الراكضين لدوابهم فقيل لهم: { لا تركضوا } والقول محذوف، قال جار الله: فإن قلت: من القائلون؟ قلت: يحتمل أن يكون بعض الملائكة أو من ثم من المؤمنين، أو يقوله رب العزة وتسمعه ملائكته لينفعهم في دينهم { وارجعوا إلى ما أترفتم فيه } من العيش الرافه والحال الناعمة { لعلكم تسألون } تهكم بهم وتوبيخ، أي ارجعوا إلى نعمكم ومساكنكم لعلكم تسألون غدا عما جرى عليكم ونزل بأموالكم ومساكنكم، وذلك استهزاء بهم، يعني ارجعوا اجلسوا كما كنتم في مجالسكم وترتبوا في مراتبكم حتى يسألوكم من تملكون أمره، يسألكم الوافدون عليكم، فقيل لهم ذلك تهكم إلى تهكم، وتوبيخ إلى توبيخ { قالوا يا ويلنا } لما رأوا العذاب اعترفوا وقالوا على سبيل الندم { إنا كنا ظالمين } أنفسنا { فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين } والحصيد قصد الاستئصال كما يحصد الزرع، والخمود: النار إذا طفيت، وخمد الحمأ: سكن، وخمد الرجل وأغمي عليه { وما خلقنا السماء والأرض } يعني وما سوينا هذا السقف المرفوع وهذا المهاد الموضوع { وما بينهما } من أصناف الخلائق مشحونة بضروب البدائع والعجائب { لاعبين } كما تسوي الجبابرة سقوفهم وسائر زخارفهم لهوا ولعبا، وإنما سوينا للفوائد الدينية والحكم الربانية لتكون مطارح أفكار واعتبار واستدلال ونظر العباد مع ما يتعلق بهم من المنافع التي لا تعد، ثم بين أن السبب في ترك اتخاذ اللهو واللعب وانتفائه عن أفعاله هو أن الحكمة صارفة عنه وإلا أنا قادر على إيجاده إن كنت فاعلا إني على كل شيء قدير، وقوله: { لاتخذناه من لدنا } أي من الملائكة لا من الإنس ردا لمقالة المسيح، وقيل: اللهو المرأة، بل إضراب عن اتخاذ اللهو واللعب وتبرئة منه لذاته كأنه قال: سبحاننا أن نتخذ اللهو واللعب { ما كنا فاعلين } ذلك لكن { نقذف } نرمي { بالحق } على الباطل يعني ننزل عليك من القرآن الحجج على أصناف الكفرة، وقيل: بالحجة على الشبهة { فيدمغه } يلغوه ويبطله { ولكم الويل } يا معاشر الكفار { مما تصفون } الله به من اتخاذ الولد { وله من في السماوات } ، بل هو خالق السماوات { والأرض } وجميع الخلق عبيده { ومن عنده } الملائكة { لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون } ، قيل: لا يستنكفون عن ابن عباس: وقيل: لا يميلون { يسبحون الليل والنهار } الذي أنتم فيه، وقيل: هو عبارة عن الدوام { أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون } يحيون الأموات، وقيل: ينشرون الأحياء ويخلقون الخلق، وهذا استفهام والمراد الإنكار، يعني لم يعبدون ما لا يخلق ولا يملك بل مخلوقون مملوكون، ثم دل عليه فقال سبحانه: { لو كان فيهما آلهة } يعني في السماوات والأرض غير الله { لفسدتا } لخربتا وهلك من فيهما وما استقامتا { فسبحان الله } منزه عن ذلك { رب العرش عما يصفون } من الشريك والولد { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } لأن جميع أفعاله حكمة وصواب، وإنما يسألون أنهم يفعلون الحق والباطل، وقيل: ليس لأحد عليه نعمة يسأله عن شكرها، قال جار الله: كانت عادة الملوك والجبابرة أنهم لا يسألهم من في مملكتهم عن أفعالهم وعما يوردون ويصدرون عن تدبير ملكهم تهيبا وإجلالا مع جواز الخطأ والزلل وأنواع الفساد، كان ملك الملوك ورب الأرباب خالقهم ورازقهم أولى بأن لا يسأل عن أفعال مع ما علم واستقر في العقول إنما يفعله كله مفعول بداعي الحكمة ولا يجوز عليه الخطأ ولا فعل القبائح، { وهم يسألون } أي هم مملوكون مستعبدون خطاؤون.

[21.24-29]

{ أم اتخذوا من دونه } توبيخ استعظاما لكفرهم أي اتخذوا أربابا يعبدون { قل هاتوا برهانكم } أي حجتكم على ذلك أما من جهة العقل وأما من جهة الوحي، فإنكم لا تجدون كتابا من كتب الأول إلا وتوحيد الله وتنزيهه عن الأنداد مدعوا إليه والإشراك منهي عنه متوعد عليه، ثم بين أن لا حجة على ما قلتم عقلا ولا شرعا فقال سبحانه: { هذا ذكر من معي } بالحق في إخلاص الإلهية { و } هذا { ذكر من قبلي } في التوراة والإنجيل، وقيل: القرآن { ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم } متقلدون في الكفر { لا يعلمون الحق فهم معرضون } عن النظر والتفكر في الحق، وقيل: معرضون عن القرآن والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } يعني لم نبعث رسولا إلا بالدعاء إلى التوحيد { وقالوا اتخذ الرحمان ولدا } الآية نزلت في خزاعة، قالوا: الملائكة بنات الله { بل عباد مكرمون } يعني هو منزه عما وصفوه به بل الملائكة عباد كغيرهم من العبيد مكرمون { لا يسبقونه بالقول } أي لا يقدمونه بالقول والعمل ولا يجاوزون حد أمره ولا يقولون إلا بأمره { وهم بأمره يعملون } { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم } يعني يعلم إقبالهم وإدبارهم، وقيل: باطنهم وظاهرهم { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } أي ليس لهم محل الشفاعة إلا بإذنه كسائر العبيد، ارتضى يعني لمن رضي الله { وهم من خشيته مشفقون } أي من خوف عذابه لمكان وعده ووعيده خائفون { ومن يقل منهم إني إله } يعني من يقل ذلك منهم على ما زعم الكفار فذلك { نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين } الذين يصفون الله بما لا يليق به.

[21.30-38]

{ أولم ير الذين كفروا } استفهام، والمراد به التقريع، يعني هو الذي يفعل هذه الأشياء لا يقدر غيره عليها فهو الإله المستحق للعبادة دون غيره { إن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما } تقديره كانتا ذات رتق فجعلناهما ذات فتق، ومعنى ذلك أن السماء كانت لاصقة بالأرض لا فضاء بينهما، أو كانت السماوات متلاصقات، فكذلك الأرضون لا فرج بينهما ففتقهما وفرج بينهما، وقيل: فتقهما بالمطر والنبات بعدما كانت مصمتة، وقيل: خلقهما بعضهما على بعض ثم خلق ريحا ففتحتهما، وقيل: كانت طبقة واحدة ففتقهما سبع سماوات وسبع أرضين { وجعلنا من الماء كل شيء حي } ، قيل: خلقنا كل شيء حي من نطفة نحو قوله:

والله خلق كل دابة من ماء

Página desconocida