{ أمن يهديكم } ويرشدكم أيها الحمقى { في ظلمات البر والبحر } بالنجوم الزاهرات { ومن يرسل الرياح } المبشرات لتكون { بشرا بين يدي رحمته } أي: بشارة بالمطر المحيي لأموات الأرضي بأنواع النباتات، والحيوانات المبقية لأصناف المخلوقات { أإله } قادر على أمثال هذه الأفعال المتقنة والآثار المحكمة { مع الله } المستقل بالقدرة الكاملة والحكمة الباهرة، والرحمة العامة الشاملة تدعون وتعبدون { تعالى الله } المنزه في ذاته عن مشابهته للأمثال، ومشاركته مع غيره في الآثار والأفعال، سيما { عما يشركون } [النمل: 63] له أولئك المشركون المسرفون.
[27.64-66]
{ أمن يبدؤا } ويظهر { الخلق } أي: عموم المخلوقات والمكونات من كتم العجم بعدما لم يكن شيئا مذكورا برش نوره عليها، ومد ظله إليها بمقتضى لطفه وجماله { ثم } بعد إظهاره وإيجاده من { يعيده } ويبعثه بعد إعدامه وإماتته بمقتضى قهره وجلاله { ومن يرزقكم } ويقوم مزاجكم بأنواع الأغذية الحاصلة { من } أسباب { السمآء } قوابل { والأرض أإله مع الله } القادر المقتدر على إنشاء البدائع، وإبداء الغرائب والعجائب المكنونة في التراب؛ ليتكون غذاء لمن عليها من الحيوانات تثبتون وتشركون أيها الحمقى المسرفون، المشركون المكابرون، فإن أصروا على شركهم وكفرهم بعدما سمعوا قوارع الدلائل القاطعة، والشواهد الساطعة { قل } لهم يا أكمل الرسل إلزاما عليهم وتبكيتا: { هاتوا } أيها الحمقى { برهانكم } على دعواكم ألوهية معبوداتكم { إن كنتم صادقين } [النمل: 64] في هذه الدعوى.
وبعدما تم إلزامك عليهم، وتبكيتك إياهم { قل } يا أكمل الرسل كلاما ناشئا عن محض التوحيد، خاليا عن وصمة الكثرة مطلقا: { لا يعلم من } ظهر { في السموت } أي: العلويات { و } من ظهر في { الأرض } أي: السفليات من المظاهر المجبولة فيهما على فطرة الشعور والإدراك { الغيب } الذي غاب عن مداركهم وعقولهم وحواسهم { إلا الله } المنزه عن الأماكن والأزمان، بل الكل في حيطة أسمائه وأوصافه، والمبرأ عن الاشتراك في جنس وعن الامتياز بفصل، فإنه واحد لا يشارك مع شيء عنه بشيء، بل وحدته لا كسائر الوحدات، ولا علمه كسائر العلوم، وكذا جميع صفاته وأسمائه، فإنه سبحانه يعلم بعلمه الحضوري جميع ما ظهر وبطن، وغاب وشهد بلا تفاوت، بل الكل في ساحة عز حضوره على السواء بلا اختلاف من الخفاء والجلاء.
{ و } إن اجتهد أولئك الصالحون من أهل السماوات والأرضين { ما يشعرون } ويدركون { أيان يبعثون } [النمل: 65] أي: متى يبعثون، وفي أي آن يحشرون من قبور تعيناتهم، وأجداث هوياتهم؛ للوقوف بين يدي الله؛ وإن وصلوا بعدما اجتهدوا بتوفيق الله وتيسيره، إن وقوفهم بين يديه للعرض والجزاء كائن لا محالة، لكنهم ما وصلوا إلى مرتبة يسع لهم تعيين وقت الحشر والنشر؛ إذ يعبتر وقت البعث من جملة الغيوب التي استأثر الله بها، ولم يطلع أحدا من الأنبياء وأوليائه عليها.
{ بل ادارك } أي: بلغ وتدارك، ووصل { علمهم } أي: علم العلماء وأرباب الشعور والإدراك بعدما كوشفوا بإلهما الله وجذب من جانبه، و { في } تحقق النشأة { الآخرة } وما فيها من المعتقدات المحققة من الحشر والنشر، والصراط والسؤال، والجنة والنار، والثواب والعقاب، وجميع الأمور التي نطقت بها ألسنة الكتب والرسل { بل هم } أي: بل أكثر الناس { في شك } وتردد { منها } أي: من الآخرة ومن الأمور الكائنة فيها { بل هم } أي: بل أكثرهم { منها } ومن الأمور الموعودة فيها { عمون } [النمل: 66] غافلون منكرون، لا يعتقدون ولا يقبلون، بل ينكرونها أشد إنكار، ويكذبونها أبلغ تكذيب.
[27.67-75]
{ و } من شدة إنكارهم وتكذيبهم { قال الذين كفروا } بالله وبجميع ما وعد سبحانه في يوم العرض والجزاء، على سبيل الاستبعاد والاستنكار مستفهمين مستهزئين: { أإذا كنا ترابا وآبآؤنآ } أيضا كذلك { أإنا } وهم { لمخرجون } [النمل: 76] من قبورنا أحياة على الوجه الذي كنا عليه في مدة حياتنا قبل طريان الموت علينا، كلا وحاشا؛ إذ هو من جملة الأمور المستحيلة التي تأبى العقول عن قبولها.
ولا منشأ له سوى أنا { لقد وعدنا هذا } أي: البعث والحشر { نحن } اليوم على هذا المدعي للرسالة والنبوة { و } وعد { آبآؤنا } أيضا { من قبل } على ألسنة المدعين الآخرين الذين مضوا، وكان أسلافهم أيضا كذلك على ألسنة أسلاف آخرين مدعين وهكذا، وبالجملة: { إن هذآ } أي: ما هذا الوعد بالبعث والجزاء { إلا أساطير الأولين } [النمل: 68] أي: أكاذيبهم الموروثة لأخلافهم اللاحقين المتأخرين عنهم، وبالجملة: ها ديدنة قديمة، وعادة مستمرة بقيت بين الأنام من قديم الأيام؛ لتخويف العوام بلا وقوع ولا إمكان وقوع أيضا.
ثم لما بالغ أولئك الهالكون في تيه الضلال في تكذيب يوم الجزاء، وأصروا على ما هم عليه من الكفر والإنكار من متابعة الأهواء والآراء { قل } يا أكمل الرسل كلاما خاليا عن وصمة المجادلة والمراء، وما درأ عن محض العبرة والحكمة والاستبصار آمرا لهم على سبيل الاعتبار: { سيروا } أيها المنكرون المكابرون ليوم العرض والجزاء { في الأرض } التي هي محل العبرة ونزول الاستبصار { فانظروا } معتبرين متأملين { كيف كان عقبة المجرمين } [النمل: 69] المكذبين كمال قدرة الله القادر المقتدر على كل ما أراد وشاء بلا فتور ولا قصور.
Página desconocida