وبعدما سمع سليمان عليه السلام من النملة ما سمع { فتبسم } تبسما ظاهرا إلى أن صار { ضاحكا } متعجبا { من قولها } المشتمل على أنواع التدابير والخيرات من حسن المعاشرة مع الجيران، وآداب المصاحبة مع الإخوان، والتحذير عن مظان المهالك والمتالف قبل الوقوع فيها وغير ذلك.
{ و } بعدما اطلع سليمان على قولها وغرضها توجه نحو الحق عادا على نفسه جلائل نعم الله وآلائه، حيث { قال } حينئذ مناجيا إليه سبحانه: { رب } يا من رباني بأنواع الخيرات والكرامات التي ما أعطاها أحدا من خلقه { أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي } ووفقني على أن أؤدي حقوقها على الوجه الذي ينبغي ويليق بشأنك وشأنها، ولا يتأتى مني هذا إلا بتوفيقك وتيسيرك، وفقني على إتمامها وتكميلها.
{ و } يسير علي { أن أعمل } في مدة حياتي عملا { صالحا ترضاه } أي: مقبولا عندك، مرضيا لك { و } بعدما توفيتني { أدخلني برحمتك } وسعة فضلك وجودك { في } زمرة { عبادك الصالحين } [النمل: 19] المرضيين عندك، المقبولين دونك، وعندني من عدادهم، واحشرني من زمرتهم، إنك على ما تشاء قدير، وبرجاء المؤملين جدير.
[27.20-26]
ثم لما سار سليمان - صلوات الرحمن عليه وسلام - ف يبعض أسفاره، وكان الهدهد دائما رائده، وبريد عسكره ودليلهم على الماء عند الاحتياج؛ إذ هو عالم به إلى حيث تعرفه تحت الأرض وتعين موضعه، و كان يأمر سليمان عفاريت الجن ليحفروها ويخرجوا منها الماء لدى الحاجة.
فاحتاج سليمان عليه السلام يوما من الأيام إلى الماء، ولم يكن الهدهد حاضرا عنده فغضب عليه { وتفقد الطير } وتعرفه مفصلا؛ حتى يجده بينهم فلم يوجد مغاضبا عليه: { فقال } مغاضبا عليه: { مالي } أي: أي شيء عرض علي حتى صرت { لا أرى الهدهد } بين الطيور، أهو حاضر عندي، مستور علي فلم أره { أم كان من الغآئبين } [النمل: 20] المتخلفين عن خدمتي ورفاقتي؟.
فوالله لو وجدته { لأعذبنه عذابا شديدا } إلى حيث آمر بنتف ريشه وحبسه في حر الشمس مع ضده في محبس ضيق { أو لأاذبحنه } حدا؛ ليعتبر منه سائر الخدمة { أو ليأتيني } وليقيمن على الإثبات عذره { بسلطان مبين } [النمل: 21] حجة واضحة ظاهرة الدلالة، مقبولة من ذوي الأعذار عند أولي الأبصار والاعتبار.
{ فمكث } الهدهد بعد تفقد سليمان وتهديده زمانا { غير بعيد } مديد متطاول، ثم حضر عنده بلا تراخ طويل { فقال } معتذرا لغيبته ومكثه: إنما مكثت وغبت عن خدمتك؛ لأني { أحطت بما لم تحط به } أنت يا سيدي؛ يعني: تعلق إدراكي بمعلوم لم يتعلق به قبل لا علمي ولا علمك، ولا علم أحد من جنودك { و } بعد وقوفي واطلاعي به { جئتك من } بلاد قبيلة { سبإ } من نواحي المغرب، وبمن ملك عليها { بنبإ } وخبر { يقين } [النمل: 22] مطابق للواقع.
قال سليمان مبتهجا، مزيلا لغيظه وغضبه، مستكشفا عنه: وما الخبر؟ قال الهدهد: { إني } بعدما وصلت إلى ديارهم بأقصر مدة { وجدت } وصادفت { امرأة تملكهم } اسمها بلقيس بنت شراحيل، من نسل يعرب بن قحطان، وأمها جنية؛ لأنه ما كان يرى التزويج من الإنس، ولم يكن له ولد غيرها؛ لذلك ورثت منه الملك فملكت { و } من كمال عظمتها وشوكتها { أوتيت من كل شيء } نفائسه وعجائبه ما لا يعد ولا يحصى { ولها } من جملة البدائع { عرش عظيم } [النمل: 23] من جميع عروش أرباب الولاية والملك.
قيل: كان ثمانين ذراعا في ثمانين، وارتفاعه ثلاثين أو ثمانين أيضا، وهو متخذ من الذهب والفضة، مكلل بالدر والزمرد، والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر، وكانت قوائمه من ياقوت أحمر وأخضر وزمرد، وعليه سبعة بيوتات على كل بيت باب مغلق.
Página desconocida