وبعدما سمعوا تهديده ووعيده { قالوا } منقطعين نحو الحق، متشوقين بلقياه: { لا ضير } أي: لا ضرر يلحق بنا من قتلك وإهلاكك إيانا أيها الطاغي { إنآ } بالموت الصوري والهلاك المجازي { إلى ربنا منقلبون } [الشعراء: 50] صائرون راجعون بعد ارتفاع أنانيتنا الباطلة عن البين، وهويتنا الباطلة عن العين.
{ إنا نطمع } بعدما خرجنا عن أنانيتنا هذا { أن يغفر لنا ربنا خطايانآ } التي صدرت عنا في زمان جهلنا وغفلتنا { أن كنآ أول المؤمنين } [الشعراء: 51] أي: لأن كنا أول المؤمنين الموقنين بتوحيده اليوم.
[26.52-62]
{ و } بعدما أقام موسى فيهم زمانا، ويدعوهم إلى التوحيد دائما وما زادوا إلا عتوا وعنادات، وأدى عتوهم إلى أن قصدوا مقته وهلاكه، وقتل من معه من المؤمنين؛ لذلك { أوحينآ إلى موسى } بعدما هموا العزم لهلاكه، وقلنا له: { أن أسر بعبادي } أي: سر ليلا يا موسى مع من تبعك من عبادي { إنكم متبعون } [الشعراء: 52] يتبعكم ويعقبكم فرعون وجنوده.
فأسرى موسى مع المؤمنين، فاطلع فرعون وقومه على إسرائهم { فأرسل فرعون } شرطة { في المدآئن حاشرين } [الشعراء: 53] لجندهم؛ ليتبعوهم.
وأمر الشرطة أن قالوا للجيش ترغيبا لهم وتحريكا لحميتهم: { إن هؤلاء } الفارين { لشرذمة } أي: طائفة وجماعة { قليلون } [الشعراء: 54] بالنسبة إلينا، مع أنهم ستمائة وسبعون ألفا، وقوم فرعون من كثرتهم لا يعد ولا يحصى.
{ و } لنا أن نتبعهم ونستأصلهم { إنهم } قوم عدو { لنا لغآئظون } [الشعراء: 55] بنا يفعلون أفعالا تغيظنا وتحرك غيظنا، فلنا أن نقلع عرقهم عن وجه الأرض.
{ وإنا } وإن كنا أقوياء أشداء على الأعداء { لجميع حاذرون } [الشعراء: 56] دائما عن كيدهم ومكرهم، وإفسادهم بأنوع الفسادت من قطع الطريق والالتجاء بالأعداء والمظاهرة معهم، ولا بد لذوي الحزم والعزم من الضبط والاحتياط في عموم الأحوال.
{ فأخرجناهم } بعدما تعلق إرادتنا بإهلاكهم وإغراقهم بهذه الدواعي والبواعث المهيجة لنفوسهم إلى الخروج والاقفتاء أثر الأعداء { من جنات } منتزهات بهية فيها فواكهة شهية { وعيون } [الشعراء: 57] أي: منابع تجري منها في جناتهم الأنهار خلالها؛ ليزيد صفاء ونضارة وبهاء.
{ وكنوز } من الذهب والفضة مدفونة وغير مدفونة { ومقام كريم } [الشعراء: 58] هو المنازل الحسنة والقصور المرتفعة الموضوة فيها الأرائك والسرور والبسط المفروشة من الحرير وغيرها.
Página desconocida