429

{ ذلك } أي: الأمر والشأن ذلك المذكور لمن هاجر إلى الله طالبا لقياه، خالصا لوجهه الكريم { ومن عاقب } ظالمه يوما غلب عليه، وأراد أن ينتقم عنه { بمثل ما عوقب به } أي: بمقدار ظلمه بلا زيادة عليه ولا نقصان { ثم بغي عليه } أي: غلب الظالم على المظلوم المنتقم كرة أخرى، وأراد أن يظلم عليه ثانيا { لينصرنه الله } العزيز المنتقم في الكرة الثانية أيضا ما لم يتجاوز عن حد الانتقام، ولا ينظر سبحانه إلى اجترائه إلى الانتقام، ويتركه ما هو الأولى وهو العفو عند القدرة، وكظم الغيظ لدى الفرصة { إن الله } المطلع لمقتضيات استعداد عباده { لعفو غفور } [الحج: 60] لما صدر عنهم من المبادرة إلى الانتقام لدى القدرة.

{ ذلك } النصر على من ظلم { بأن الله } أي: بسبب أن الله المستوي على القسط القويم { يولج } ويدخل { الليل } المظلم { في النهار } المضيء { ويولج النهار } المضيء { في الليل } المظلم على التدريج ليعتدلا ويعتدل من ظهر وما ظهر كرهما وتجددهما { وأن الله } المدبر لمصالح مظاهره بالحكمة المتقنة { سميع } سمع ما هو من قبيل المسموعات من الوقائع التي أدركها السمع { بصير } [الحج: 61] يبصر ما هو من قبيل املبصرات من الحوادث المدركة بالبصر.

{ ذلك } أي: سمعه للمسموعات وإبصاره للمبصرات { بأن الله } المتجلي في الآفاق { هو الحق } المقصور على التحقق والثبوت بالاستحقاق الواجب وجوده بلا ارتياب الممتنع نظيره على الإطلاق { وأن ما يدعون } أيها المشركون { من دونه } من الآلهة الباطلة { هو الباطل } المصور على العدم والبطلان، لا وجود لهم فيكف ألوهيتهم، والإله لا بد وأن يكون واجب الوجود، ثم ما يترتب عليه من الأوصاف الذاتية والأسماء الإلهية فهم معزولون عن الوجود، ثم ما يترتب عليه من الأوصاف الذاتية والأسماء الإلهية فهم معزولون عن الوجود، فكيف عن لوازمها { و } اعلموا { أن الله } المتردي برداء العظمة والكبرياء، المتعزز بالمجد والبهاء، المتوحد بالقيومية والبقاء الأبدي { هو العلي } بذاته المتعالي على أن يصفه ألسنة العقلاء، ويعرب عنه أفهام العرفاء { الكبير } [الحج: 62] المتكبر في شأنه جل جلاله عن أن يحيط به وبأوصافه وأسمائه شيء من مظاهره ومصنوعاته.

[22.63-70]

{ ألم تر } أيها الرائي { أن الله } المتخصص بالآثار البديعة والصنائع العجيبة الغريبة { أنزل } بعد تصعيد الأبخرة والأدخنة و تركيبها و تراكبها { من السمآء } أي: جانبها { مآء } مصفى على الأرض { فتصبح الأرض مخضرة } بعدما كانت هامدة يابسة { إن الله } المدبر بالتدابير الباهرة { لطيف } دقيق رقيق، علمه متعلق برقائق المعلومات ودقائقها { خبير } [الحج: 63] لا يعزب عن خبرته شيء مما دق وغلظ.

وكيف يعزب عن حيطة علمه شيء من المعلومات؟ إذ { له } ملكا وتصرفا وإظهارا وخلقا { ما في السموت } أي: العلويات من الكوائن والفواسد { وما في الأرض } أي: السفليات مثلها { وإن الله } المتجلي على عموم ما ظهر وبطن { لهو الغني } بذاته عن جميع مظاهره وأظلاله { الحميد } [الحج: 64] بآثار أوصافه وأسمائه.

{ ألم تر } أيها الرائي { أن الله } المتكفل لأمور عباده كيف { سخر لكم } ولترتيب معاشكم { ما في الأرض }؟ من الحيوانات التي تأكلون منها وتزرعون بها وتركبون عليها وتحملونها في البر { و } سخر لك { الفلك تجري في البحر بأمره } وعلى مقتضى مشيئته وإرادته حيث سقتم وأجريتموها حسب مرامك تتميما لأمور معاشكم { ويمسك السمآء } معلقا على الهواء بلا عمد كراهة { أن تقع على الأرض } فيختل أمور معاشكم بوقوعها على الأرض، وإن ان لم يضركم؛ لأنها أجرام في غاية الخفة واللطافة، بل انسد من وقوعها إنزال المطر المقوي لإنبات الأقوات، إذ من شأنها الوقوع لولا إمساكه سبحانه إياها { إلا } أن تقع عليها { بإذنه } تعالى وتعلق مشيئته بوقوعها، وذلك يوم القيامة { إن الله } المدبر لمصالح عباده { بالناس } المجبولين على الكفران والنسيان { لرءوف } مشفق عطوف { رحيم } [الحج: 65] لهم يعفو عنهم زلتهم، ويرزقهم من حيث لا يحتسب.

{ و } كيف لا يرحكمكم ولا يرأف عليكم سبحانه { هو الذي أحياكم } في النشأة الأولى، وأظهركم من كتم العدم بلا سبق مادة ومدة { ثم يميتكم } إظهارا لقدرته وبسطته، ومقتضيات جلاله وقهره { ثم يحييكم } في النشأة الأخرى لتوفية الجزاء على ما أمركم به في النشأة الأولى { إن الإنسان } المركب من النسيان { لكفور } [الحج: 66] لأنواع نعم الله عليه.

ومن جملة إنعامنا عليه إنا { لكل أمة } من الأمم { جعلنا } أي: عينا وهيأنا { منسكا } معينا ومقصدا مخصوصا { هم ناسكوه } أي: ينكسون ويتقربون فيه إلينا بالقرابين والهدايا { فلا ينازعنك } يا أكمل الرسل { في الأمر } الذي كنت عليه من الذبح وغيره من الشعائر المتعلقة بأمور الدين ، ومعالم الهدى واليقين { وادع إلى } توحيد { ربك } حسبما أمرت { إنك } في دعوتك إلى الحق { لعلى هدى مستقيم } [الحج: 67] أي: طريق واضح سوي موصل إلى التوحيد الذاتي بلا عوج وانحراف.

{ وإن جادلوك } في أمرك هذا ودعوتك هذه عنادا ومكابرة، فلا تلتفت إليهم ولا تقابلهم { فقل الله } المطلع لخفايا الأمور وسرائرها { أعلم بما تعملون } [الحج: 68] مقتضى أهوية نفوسكم، فيجازيكم على مقضى علمه وخبرته.

Página desconocida