390

{ ونذكرك } ونناجيك بأسمائك الحسنى وصفاتك العظمى ذكرا { كثيرا } [طه: 34].

وكيف لا نسبحك ونذكرك { إنك } بذاتك وأوصافك وأسماءك { كنت } محيطا { بنا بصيرا } [طه: 35] بجمع أحوالنا.

{ قال } تعالى رفقا له وامتنانا عليه؛ لرجوعه إليه بالكلية: { قد أوتيت سؤلك } أي: قد حصل لك جمع مطالبك؛ لتوجهك علينا، ورجوعك إلينا { يموسى } [طه: 36].

كيف { ولقد } أنعمنا عليك حين لا ترقب لك ولا شعور بأن { مننا عليك } من وفور رحمتنا وشفقتنا لك { مرة أخرى } [طه: 37].

[20.38-51]

وقت { إذ أوحينآ } وألهمنا { إلى } قلب { أمك ما يوحى } [طه: 38] وما يلهم عند نزول البلاء لنجاة الأحياء وخلاصهم عن ورطة الهلاك، وذلك حين إحاطة شرطة فرعون المأمورين بقتل أبناء بني إسرائيل على بيت أمك؛ ليقتلوك ظلما، فاضطربت أمك، وآيست من حياتك.

فألهمناها حينئذ: { أن اقذفيه } واطرحيه { في التابوت } المصنوع من الخشب فاتخذت تابوتا ووضعتك فيها، ثم ألهمناها ثانيا إذا وضعت فيه، توكلي على خالقه وحافظه وفوضي أمره إليه { فاقذفيه في اليم } يعني: النيل، ولا تخافي من غرفة { فليلقه اليم بالساحل } ألبتة؛ إذ من عادة الماء إلقاء ما فيه إلى جانبه، فإذا قرب من الساحل ورآه الناس { يأخذه } ويأمره بأخذه { عدو لي } يعني: فرعون المفرط بدعوى الإلهية لنفسه { وعدو له } يعني: الوليد، أو هو من أبناء بني إسرائيل، وهو عدو لهم بل هو سبب عداوة جميعهم في الحقيقة.

{ و } بعدما أمر عدوك بأخذك والتقاطك من البحر { ألقيت } من كمال قدرتي ووفور حولي وقوتي في نفس فرعون وزوجته آسية - رضي الله عنها - وأهل بيته { عليك } أي: على حفظك وحضانتك يا موسى { محبة } في قلوبهم مع شدة عداوتهم معك، وكانت تلك المحبة صادرة { مني } فظاهرهم حفظا لك وإظهارا لكمال قدرتي بأن أربيك في يد عدوك؛ لتكون سببا لهلاكه { و } إنما القيت في قلوبهم المحبة مني { لتصنع } ولتربى أنت وإن كنت بيدي العدو ظاهرا { على عيني } [طه: 39] أي: أعيان أوصافي وأسمائي؛ إذ الكل مظاهر ذاتي وأوصافي وأسمائي.

ومع إلقاء كمال المحبة والمودة مني في قلوبهم لحفظك وحضانتك، راعيت جانب أمك { إذ تمشي أختك } مريم حين طلبوا لك مرضعة بعدما أخروجك من البحر { فتقول } لهم على سبيل الوساطة والدلالة: { هل أدلكم على من يكفله } ويرضعه مع أنهم أحضروا كثيرا من مرضعات البلد عندك لم تممص انت ثديهن؛ إذ حرمنا عليك المراضع إنجازا لما وعدنا على أمك، فقبلوا منها قولها، فطلبوا أمك، فأرضعتك فاستطابوا وأجروها لإرضاعك.

وبالجملة: { فرجعناك إلى أمك } امتنانا لك بأن تحفظ أمك، ولأمك أيضا { كي تقر } وتنور { عينها } بمشاهتدك بعدما ذهب نور عينها بفمارقتك.

Página desconocida