وفي تلك الحالة عرضت عليك الحيرة والحسرة، والوحشة والقلق والاضطراب، والخوف والرجاء، واللذة والألم، وصرت بين بين، وأين أين، وكيف كيف.
وبالجملة: كنت في تلوين وتكوين، وإطلاق وتقييد، وما هي سكراتك عند موتك الإرادي، واضطراباتك دونها، وحينئذ لا يسع لك إلا الرضا والتسليم، والتوكل والتفويض، إلى أن جذبك الحق، ووفقك بالتمكين والتسكين، وأطلقك عن التقييد والتعيين، وأفناك عنك، وأبقاك بذاته، وفزت بما فزت، وتكون حينئذ { من الساجدين } [الحجر: 98] قد أتاك اليقين والتمكين، وأخلصك عن التردد والتلوين.
[16 - سورة النحل]
[16.1-8]
لذلك أخبر سبحانه عن إتيانه ووقوعه بالجلمة الماضوية تنبيها على تحقق وقوعه، فقال: { أتى أمر الله } أي: يومه الموعود الذي انكشفت فيه السدول، ولاحت الأسرار، واترتفعت حجب التعينات والأستار، واضمحلت السوى والأغيار، ونودي من وراء سرادقات العز والجلال بعد انقهار الكل:
لمن الملك اليوم
[غافر: 16]؟ وأيجب أيضا من ورائها:
لله الواحد القهار
[غافر: 16]، { أتى أمر الله فلا تستعجلوه } أي: لا تستعجلوا وقوعه أيها المترددون الشاكون في أمره { سبحانه وتعالى عما يشركون } [النحل: 1] له من الآلهة الباطلة، ويدعون شفاعتها لهم عند الله لدى الحاجة.
بل هو الله الاحد الأحد، الصمد الذي { ينزل الملائكة } المقربين عنده { بالروح } أي: بالوحي الناشئ { من أمره } توفيقا وتأييدا { على من يشآء من } خلص { عباده } وهم الأنبياء والمرسلون المأمورون { أن أنذروا } أي: بأن خوفوا عباد الله المنحرفين عن استقامة صراطه، وجادة توحيده من بطشه وانتقامه إياهم، وقولوا لهم نيابة عن الله: { أنه لا إله } يعبد بالحق { إلا أنا فاتقون } [النحل: 2] عن مخالفة أمري وحكمي.
Página desconocida