{ ذلك } المذكور من قصة يوسف وما جرى بينه وبين إخوته وبين امرأة العزيز وغير ذلك من الوقائع الهائلة، الواقعة على يوسف وعلى أبيه وأخيه من حسد إخوتهما { من أنبآء الغيب } أي: من الإخبارات التي سترت عنك يا أكمل الرسل { نوحيه إليك } إي: نعلمك بالوحي والإلهام، ومحقق مسلم عند ذوي العقول { وما كنت لديهم } وعندهم وفي جمعهم وقت { إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون } [يوسف: 102] أي: يقصدون المكر والخداع مع يوسف وأبيه، بعدما شاوروا كثيرا من إهلاك يوسف وإبعاده من عند أبيه واستقرار رأيهم بد تكرر المشاورة على ما فعلوا به واتفقوا عليه، وما أنت أيضا من أهل الإملاء والنسخ أن تضبط قصصهم من التواريخ، ولا من أهل التعلم المستفيد من الغير، بل ما هو إلا وحي يوحى إليك من عندنا.
{ ومآ أكثر الناس } الذين يترددون بين يديك { ولو حرصت } بإيمانهم وإذعانهم { بمؤمنين } [يوسف: 103] لك مصدقين لما جئت به من عند ربك.
{ و } ما عرض لهم ولحق لنفوسهم من الغفلة لم يقبلوا ما قلت لهم؛ إذ { ما تسألهم عليه } أي: على تبليغ ما جئت به من عند الله { من أجر } جعل ومال من حطام الدنيا كما يفعله حملة الأخبار ومتفقهة الزمان والمتشيخة من أهل التلبيس، بل { إن هو } أي: ما هذا القرآن وما فيه من العبر والأحكام والقصص المستلزمة لأنواع المواعظ والتذكيرات { إلا ذكر } عام، وفائدة جليلة شاملة { للعالمين } [يوسف: 104].
[12.105-108]
{ وكأين } أي: كثير { من آية } دالة على وجود الصانع وتوحيده واستقلا له في التصرف في الآثار كائنة { في السماوات والأرض } أي: العلويات والسفليات، أو عالم الأسماء والصفات وعالم الطبيعة المنعكسة منها { يمرون عليها } مرور غفلة وذهول { وهم عنها معرضون } [يوسف: 105] لا يعتبرون منها ولا يتأملون فيها وفي رموزها وإشاراتها، وذلك من كمال توغلهم في الكثافة والحجب الظلمانية، ونهاية تدنسهم بأدناس الطبيعة الهيولانية.
{ و } لذلك { ما يؤمن } ويوقن { أكثرهم بالله } المستغني في ذته عن جميع المظاهر، المستقل بوجوده بحيث لا وجود لغيره أصلا { إلا وهم مشركون } [يوسف: 106] مشتركون من مصنوعاته في استحقاق العبادة ما لا وجود له في نفسه أصلا.
أيغفلون أولئك المسرفون عن مكر الله؟! { أفأمنوا } عن كمال قدرته على الانتقام ولم يخافوا { أن تأتيهم } وترسل عليهم { غاشية } أي: عقوبة هائلة نازلة { من عذاب الله } في هذه النشأة تغشيهم وتحيط بهم { أو تأتيهم الساعة } الموعودة { بغتة } فجأة { وهم لا يشعرون } [يوسف: 107] أماراتها وعلاماتها؟!.
وإن أصروا على كفرهم وإشراكهم باللهو، عدم الالتفات بك وبقولك { قل } لهم يا أكمل الرسل مجاراة عليهم: { هذه سبيلي } أي: الدعوة إلى التوحيد وإعداد الزاد ليوم المعاد طريقي، وأنا بعثت لأجلها { أدعو إلى الله } أي: إلى توحيد كافة عباده { على بصيرة } تامة فائضة علي من عنده سبحانه { أنا } أي: أدعو أنا لمقتضى الوحي والإلهام { ومن اتبعني } من خيار أمني بوسيلة إرشادي وإهدائي إليهم { وسبحان الله } أي: أنزهه تنزيها تاما عن معتقدات أهل الزيغ والضلال في حقه سبحانه { ومآ أنا من المشركين } [يوسف: 108] أي: أبرئ نفسي عما هم عليه من الشرك المنافي للتوحيد.
[12.109-111]
ثم قال سبحانه: { ومآ أرسلنا من قبلك } أيها المبعوث للكل { إلا رجالا } مثلك من جنس البشر { نوحي إليهم } أي: نخصهم بالوحي والإلهام؛ لنجابة طينتهم في أصل خلقتهم مع أنهم { من أهل القرى } أي: من جملة ما يسكنون فيها { أ } يصرون هؤلاء المعاندون على تكذيبك، معللين بقولهم الباطل: ولو شاء ربنا لأنزل ملائكة { فلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين } كذبوا الرسل المبعوثين لهم مضوا { من قبلهم } مثل تكذيبهم إياك حتى يعتبروا منها { و } الله { لدار الآخرة } المعدة للفوز والفلاح { خير للذين اتقوا } أي: للمؤمنين الذين يحفظون نفوسهم عما حذرهم الله منها { أفلا تعقلون } [يوسف: 109] أيها المسرفون المكابرون.
Página desconocida