{ قالوا } أي: إخوة يوسف: { جزآؤه } أي: جزاء السارق { من وجد في رحله فهو } نفسه وشخصه { جزاؤه } أي: جزاء سرقته بأن يسترق سنة، وكان جزاء الساءق في دين يعقوب استرقاق سنة { كذلك } أي: مثل ما قلنا { نجزي الظالمين } [يوسف: 75] السارقين في دين أبناء يعقوب عليه السلام.
ثم لما أفتوا بما أفتوا أخذوا بالتفيش والكشف { فبدأ } الزاعم { بأوعيتهم } أي: بتفتيشها وتفحصها { قبل وعآء أخيه } بنيامين { ثم } بعدما استقصى الكل واستقرأها تفشيا { استخرجها } أي: السقاية { من وعآء أخيه } لئلا يظن أنهم يدسونها في رحله { كذلك } أي: مثل كيد يوسف لأخذ أخيه بنيامين { كدنا ليوسف } في أخذه من يد إخوته وخلاصه من الرق والسجن، وكدنا له أيضا في أخذ أخيه من إخوته بفتواهم أيضا؛ إذ { ما كان } أي: ما صح وجاز له { ليأخذ أخاه } بجرم السرقة { في دين الملك } أي: ملك مصر؛ إذ في دينه اضرب وأخذ ضعف ما سرق { إلا أن يشآء الله } هذا الحكم المخصوص في دين الملك، وألهمه ليوسف بنفاذه أو بحكم في هذه المسألة على دين آبائه، أو كان الملك أسلم بيده، ودخل بيدن آبائه على ما نقل { نرفع } ونعلو { درجات } أي: مراتب ومنازل { من نشآء } من عبادنا، بزيادة الفضائل والكمالات والحقائق والمعارف { و } لا يبعد منا أمثال هذا؛ إذ { فوق كل ذي علم عليم } [يوسف: 76] أعلى منه لا إلى نهاية؛ إذ لا انقطاع لتجددات التجليات أصلآ، لذلك قال سبحانه:
" ألا طال شوق الأبرار إلى لقائي "
أي: شوقي وتجلياتي.
[12.77-80]
ثم لما شاهدوا استخراج الوعاء من رجل بنيامين اضطبروا اضطرابا شديدا وتحزنوا حزنا غيظا { قالوا } مغاضبين عليه مريدين مقته: { إن يسرق } هذا اللئيم، فلا تعجبوا منه؛ إذ هي من ديدنة أخيه سربت عليه { فقد سرق } مثله { أخ له } أكبر منه { من قبل } من أوان طفوليته يريدون يوسف.
قيل: ورثت عمة يوسف من أبيها منطقة إبرايهم، وكانت تحضن يوسف وتحبه، فلما شب أراد يعقوب انتزاعه منها، فلم ترض العمة، فشدت المنطقة على وسطه ثم أظهرت ضياعها، فتفحص عنها فوجدتها مشدودة في وسطه، فتحاكموا فصارت أحق به في دينهم.
فلما سمع يوسف منهم ما سمع { فأسرها } وكتمها { يوسف في نفسه ولم يبدها لهم } ولم يظهر الإنكار عليهم بل أضمر حيث { قال } في نفسه وسره: { أنتم } أيها المسرفون { شر مكانا } أي: خصلة ومنزلة وشأنا { والله } المطلع لأحوال عباده { أعلم } منكم { بما تصفون } [يوسف: 77] وتشرحون بألسنتكم افتراء ومراء.
ثم لما جزم العزيم بأخذ أخيه على جريمة السرقة واسترقاقه إلى سنة { قالوا } متضرعين متذللين منادين له على وجه الخضوع راجين من قبوله: { يأيها العزيز } أدام الله عزك { إن له } أي: لهذا المفسد السارق { أبا شيخا كبيرا } في السن والمرتبة؛ إذ هو نبي من الأنبياء، ضرير من فراق ابنه الهالك، يتسلى قلبه ويزول وحشته لمؤانسته هذا المسرف مع أنا حلفنا معه وآتيناه موثقا عظيما أن نرجع فيه { فخذ } من جاهك وإحسانك { أحدنا مكانه } أي: بدله بواحد منا لنخدم في بابك، وأطلقه لنذهب به غلى أبيه الضرير الضعيف؛ لئلا يستوجش ولا نحنث في حلفنا { إنا نراك من المحسنين } [يوسف: 78] المتعودين للإحسان، المتمرنين فيه، فتعم علينا وعلى الشيخ الضعيف إحسانك وامتنانك.
{ قال } يوسف: { معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده } يعني: نعوذ بالله أن نأخذ غير السارق بدله ظلما لمصلحتكم { إنآ } وإن فعلنا مثل ما التمستم من كنا { إذا لظالمون } [يوسف: 79] خارجون عن حدود الله بلا إذن شرعي.
Página desconocida