واذكر يا أكمل الرسل { إذ قال له ربه } اختبارا له { أسلم } توجه إلي بمقتضى علمك وكشفك مني { قال } على مقتضى علمه بربه { أسلمت لرب العالمين } [البقرة: 131] إذ كشف له ربه عن ذرائر الكائنات لذلك لم يخصصه ولم يقيده بمظهر دون مظهر.
{ ووصى بهآ } أي: بالتوحيد الذاتي { إبراهيم بنيه } إرشادا إلى طريق الحق ووصى أيضا بنوه بنيه { و } وصى أيضا { يعقوب } بنيه بما وصى أبوه وجده، وقالوا: { يابني إن الله اصطفى لكم الدين } دين الإسلام المشتمل، على توحيد الذات والصفات والأفعال { فلا تموتن } فلا تكونن في حال من الأحوال عند الموت { إلا وأنتم مسلمون } [البقرة: 132] موحدون بالتوحيد الذاتي.
ثم لما اعتقد اليهود أن يعقوب وبنيه كانوا هودا، والنصارى اعتقدوهم نصارى، أراد سبحانه أن يظهر فساد عقائدهم، فقال: أتسمعون أيها اليهود والنصارى يهودية يعقوب وبنفيه ونصرانيتهم لمن أنزل عليكم { أم كنتم شهدآء } حضراء { إذ حضر يعقوب الموت } ولولا هذا ولولا ذاك كنتم مفتشرين عليهم جاهلين بحالهم، اذكر لهم يا أكمل الرسل { إذ قال } حين أشرف على الموت { لبنيه } إرشادا لهم: { ما تعبدون من بعدي } با بني؟ { قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا } أحدا صمدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا { ونحن له } لا لغيره من الآلهة الباطلة { مسلمون } [البقرة: 133] منقادون متوجهون، خاليا عن المكابرات والعناد، قالعا عرف التقليدات الراسخة في قلوب العباد.
[2.134-136]
{ تلك أمة قد خلت } مضت { لها ما كسبت } من العزائم الدينية، وعليها ما اكتسبت من الجرائم المتعلقة به بحسب ذلك الزمان { ولكم ما كسبتم } من فوائد الإيمان والإسلام، و عليكم ما اكتسبتم من غوائل الكفر والطغيان بحسب زمانكم هذا؛ إذ لك منكم ومنهم لم يجز إلا بما عمل وكسب { ولا تسألون } وتؤاخذون أنتم { عما كانوا يعملون } [البقرة: 134] من السيئات، كما لا تثابون من حسناتهم بل كل امرئ بما كسب رهين.
{ و } إن { قالوا } أي: كل من الفريقين لكم { كونوا هودا أو نصارى } لكي { تهتدوا } إلى طريق الحق { قل } لهم لا نتبع آراءكم الفاسدة وأهواءكم الباطلة { بل } نتبع { ملة إبراهيم حنيفا } مائلا عن الآراء الباطلة مهذبا منها { وما كان من المشركين } [البقرة: 135] بالله باعتقاد الوجود لغير الله.
{ قولوا } لهم في مقابلة قولهم أيها المؤمنون المتبعون لملة إبراهيم، إرشادا لهم وإسماعا إياهم طريق الحق: { آمنا بالله } الواحد المتجلي في الآفاق بالاستحقاق بأسمائه الحسنى وصفاته العليا { و } آمنا أيضا { مآ أنزل إلينا } بوسيلة رسولنا من الكتاب المبين لمصلحتنا، المتعلق بمبدئنا ومعادنا في زماننا { و } آمنا آيضا { مآ أنزل } إلى المتبوعين الماضين { إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط } المورثين وديننا { و } كذلك آمنا { مآ أوتي موسى وعيسى } من الكتب والآيات الدالة على توحيد الذات وتصديق من جاء به من عند ربه { و } الحاصل أنا آمنا بجميع { ما أوتي النبيون من ربهم } لإهداء المضلين من عباده إلى توحيده { لا نفرق بين أحد منهم } بالإيمان والإنكار، بل نؤمن بجميعهم ونصدقهم؛ لكونهم هادين إلى توحيد الله وإن تفاوتت طرقهم { ونحن له } لتوحيد الله { مسلمون } [البقرة: 136] منقادون متوجهون؛ وإن بين بطرق متعددة وكتب مختلفة بحسب الأعصار والأزمان المتوهمة من تجليات الذات بالأسماء والصفات.
[2.137-141]
{ فإن آمنوا } بعدما سمعوا منكم هذه الأقوال { بمثل مآ آمنتم به } بعد سماعكم طريق الإيمان من رسولكم { فقد اهتدوا } إلى طريق التوحيد كما اهتديتم { وإن تولوا } أعرضوا عن أقوالكم لهم تذكيرا وعظة { فإنما هم في شقاق } أي: ما هم إلا في خلافهم وشقاقهم الأصلية وعداوتهم الجلية { فسيكفيكهم الله } المحيط بكم وبهم، المطلع على سرائرهم وضمائرهم مؤنة خلوفهم وشقاقهم { و } لا تشكو في كفايته؛ إذ هو السميع { } لأقوالهم الكاذبة { العليم } [البقرة: 137] بكفرهم ونفاقهم الكامنة في قلوبهم.
ثم قولوا لهم بعدما أظهروا الخلاف والشقاق: ما جئتنا به عن التوحيد الحاصل من متابعة الملة الحنيفية { صبغة الله } المحيط بنا، صبغ بها قلوبنا؛ لنتهدي إلى صفاء تجريده وزلال تفريده { ومن أحسن من الله صبغة } حتى نتبعه؛ إلا ذ وجود لغيره { و } إذ لم يكن للغير وجود { نحن له } لا لغيره { عابدون } [البقرة: 138] عائدون راجعون رجوع الظل إلى ذي ظل، والصور المرئية في المرآة إلى الرائي.
Página desconocida