أيشكون نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم { أم يقولون افتراه } واخترعه من عنده، ونسبه إلى الله ترويجا وتعظيما؟ { قل } لهم يا أكمل الرسل: بعدما شككتم أنه من عند الله، بل جزمتم بأه من عند غيره { فأتوا بسورة } قصيرة { مثله } في الفصاحة ورعاي المقتضيات والحكم والمطابقات، ووجوه الدلالات والتمثيلات، والتشبيهات والمجازات والكنايات { و } إن عجزتم أنتم { ادعوا } واستظهروا { من استطعتم } واستوثقتهم به { من دون الله إن كنتم صادقين } [يونس: 38] في دعواكم أنه من كلام البشر مفترى على الله.
ثم لما أفحموا على الإتيان، وعجزوا عن المعارضة، ومع ذلك لم ينصفوا، أو لم يقروا بأنه معجز ليس من كلام البشر { بل كذبوا } بادروا إلى الرد والتكذيب { بما } أي: بشيء { لم يحيطوا بعلمه } ولم يعلموا ويفهموا ما فيه من قرائحهم { ولما يأتهم تأويله } من معلم وملهم، بل كابروا في تكذيبه بلا سند عقلي ونقلي { كذلك } أي: مثل تكذيبهم هذا { كذب الذين } مضوا { من قبلهم } أنبياءهم وكتبهم التي جاءوا به { فانظر كيف كان عاقبة الظالمين } [يونس: 39] الخارجين عن مقتضى الأوامر، المبادرين إلى تكذيب الله وتكذيب كتبه ورسله، وما جرى عليهم من المصيبات الهائلة، فانتظر يا أكمل الرسل لهؤلاء المكذبين، المكابرين أمثالها.
{ ومنهم } أي: من المكذبين المكابرين { من يؤمن به } أي: بالقرآن، ويصدق بإعجازه في نفسه ويصر على التكذيب؛ عنادا ومكابرة { ومنهم من لا يؤمن به } لغلط غشاوته، وشدة قساوته وشكيمته { و } بالجملة: { ربك } يا أكمل الرسل { أعلم بالمفسدين } [يونس: 40] المكذبين المعاندين الذين يفسدون في الأرض بأنواع الفسادات.
{ وإن كذبوك } وأصروا على تكذيبك، مع وضوح دلائل صدقك { فقل } تبريا وتنزيها: { لي عملي } أنا أجزى بما أعلم { ولكم عملكم } تجزون أنتم أيضا بما تعملون { أنتم بريئون ممآ أعمل } منكرون له { وأنا } أيضا { بريء مما تعملون } [يونس: 41] بأضعاف براءتكم، فانتظروا بجزاء أعمالكم، وأنا أيضا أنتظر بجزاء عملي حتى يأتي وقت الجزاء.
[10.42-46]
{ ومنهم من يستمعون إليك } استهزاء، وأنت تلتفت إلى أسماعهم، وتبالغوا فيه؛ ليتعظوا، وهم لا يسمعون ولا يفقهون؛ لأكنة قلوبهم وصمم أسماعهم { أفأنت تسمع الصم } وتجتهد في إصغائهم وإسماعهم { ولو كانوا لا يعقلون } [يونس: 42] لجهلهم المركوز في جبلتهم { ومنهم من ينظر إليك } ويعاين دلائل نبوتك ويشاهد أماراتها، ومع ذكل ينكر بك وبنبوتك { أفأنت تهدي العمي } وتقدر على أسماعه { ولو كانوا } مجبولين بأنهم { لا يبصرون } [يونس: 43] لتعامي بصائرهم وأبصارهم، وقساوة قلوبهم.
{ إن الله } المتعزز برداء العظمة والكبرياء { لا يظلم الناس } المستوجبين للعذاب والنكال { شيئا } مما لحقهم منه { ولكن الناس } الناسين صرف ما أنعم الله لهم إلى ما خلق لأجله { أنفسهم يظلمون } [يونس: 44] بصرفها إلى خلاف ما حكم الله وأظهره له، لذلك استحقوا المقت والانتقام.
{ و } اذكر لهم يا أكمل الرسل { يوم يحشرهم } أي: أهواله المتطاولة وشدائده المترادفة المتتالية إلى حيث يصور عندهم مدة حياتهم في الدنيا { كأن لم يلبثوا } فيها { إلا ساعة من النهار } لطول ذلك اليوم وشدة أهواله { يتعارفون بينهم } أي: وهم يعرف بعضهم بعضا هذا في أول النشر، ثم يشتد عليهم الأمر ويرتفع التعارف والالتفات، ويصير كل منهم رهينة ما كسبت، وبالجملة: { قد خسر } وخاب خيبة عظيمة { الذين كذبوا بلقآء الله } في الآخرة، وأصروا على ما هم عليه من اقتراف المعاصي، ولم يلتفتوا إلى الأنبياء والذي جاءوا به من عند الله؛ لإصلاح أحوالهم في مبدئهم ومعادهم { وما كانوا } أيضا { مهتدين } [يونس: 45] بطريق الصلاح والصواب من تلقاء نفوسهم بلا إرشاد مرشد.
{ و } لقصورهم عن الرشد والهداية بلا مرشد مهدي { إما نرينك } يا أكمل الرسل { بعض الذي نعدهم } بالهداية والإرشاد، والسلوك في سبيل الصواب والسداد { أو نتوفينك } قبل وصولهم إلى فنائك؛ ليسترشدوا منك، ويستهدوا من زلال هدايتك، ويسترشحوا من رشحات فيضك وجودك ليصفوا من كدر هوياتهم ورين أنانياتهم { فإلينا مرجعهم } جميعا، ضالا وهاديا، رجوع الأظلال إلى الشمس { ثم } بعد رجوعهم { الله } المظهر لهم من كتم العدم؛ لحكمية العبودية والعرفان { شهيد } مطلع حاضر بعلمه الحضوري { على ما يفعلون } [يونس: 46] من المعرفة والضلال، والإيمان والطغيان يجازيهم على مقتضى علمه وخبرته.
[10.47-53]
Página desconocida