176

{ قال فبمآ أغويتني } أي: فبسبب ما بعدتني وأطردتني لأجلهم { لأقعدن } وألزمن البتة { لهم } لإغوائهم وإضلالهم { صراطك المستقيم } [الأعراف: 16] أي: على دينك وطريقتك الموصل لهم إلى توحيدك، أغويهم وأوسوسهم بأنواع الوسوسة بعضهمب بالفسق والظلم، وبعضهم بالرياء والسمعة، وبعضهم بالمخائل الفاسدة من اللذات الوهمية والخيالية، وبالجملة: أوسوسهم وأخرجهم بأنواع الحيل عن جادة توحيدك.

{ ثم } بعدما أرد وسوستي في نفوسههم { لآتينهم من } جميع جهاتهم { بين أيديهم } أي: يضلهم بالمعاصي الحاصلة من قدامهم { ومن خلفهم } أي: بالمعاصي الحاصلة منه { و } أيضا { عن أيمانهم وعن شمآئلهم و } بالجملة: استسخرهم وأحيط عليهم بإغوائي ووسوستي إلى حيث { لا تجد } يا معز كل ذليل، ومدل كل دليل { أكثرهم شاكرين } [الأعراف: 17] بعد رجوعهم إليك شاكرين، صارفين ما آتيتهم من النعم إلى ما أمرتهم به.

ثم لما طرده الحق وأبعده وأنظره ابتلاء لعباده { قال } سبحانه: { اخرج } أيها المردود المطرود { منها } أي: من عرصة أهل التوحيد { مذءوما } حاملا للمذمة { مدحورا } مطرودا مستوجبا للعنة وافعل بهم ما شئت، والله { لمن تبعك منهم } بعدما أظهرتهم على صورتي، وكرمتهم بكرامتي على جميع خليقتي، ونخفت فيهم من روحي وتجليت عليهم بجميع أسمائي وأوصافي، وأرسلت إليهم أنبيائي ورسولي ، وأنزلت عليهم كتبي لتبيين طريق توحيدي؛ لأطردنهم البتة عن عز حضوري، وأخرجهم عن جنة سروري، واعلموا يا بني آدم { لأملأن جهنم } البعد الخذلان { منكم أجمعين } [الأعراف: 18] إن ابتعتم عدوي وعدوكم، فعليكم أن تجتنبوا عن غوائله.

[7.19-22]

{ و } بعدما طرد سبحانه إبليس حين امتنع عن السجود قال لآدم اختبارا وابتلاء وتوصية لحفظ مرتبته: { يآءادم } المكرم المسجود { اسكن أنت } بمتابعة عقلك الموهوب لك من العقل الكلي { وزوجك } بمتابعة نفسها الفائظة عليها من النفس الكلية { الجنة } التي هي مقر أهل التوحيد، ومنزل أهل الولاء والتجريد من أرباب الوصول الفائزين بشرف القبول { فكلا } منها، واحظاظا من لذاتها الروحانية من حقائقها ومعارفها وشهوداتها وكشوفاتها رغدا { من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة } التي هي من أغذية نفوسكم وأهوية هوياتكم { فتكونا } بتقربها وتناولها { من الظالمين } [الأعراف: 19] الخارجين عن مقتضى أمرنا وحكمنا المستحقين لطردنا ومقتنا.

{ فوسوس لهما الشيطان } أي: أوقعهما في الدغدغة بأمر الشجرة، وإن كان وسوسة أيضا عن مقتضيات الحكمة المتقنة الإلهية، بعدما وصاهما الحق سبحانه ونهاهما عنه، وليس غرضه إلا نزع لباس الصيانة والتقوى عنهما { ليبدي } أي: يظهر { لهما ما ووري } أي: غطي وسرت { عنهما من سوءاتهما } التي هي مقتضيات بشريتهما وهويتهما الباطلة { و } بعدما أشربهما الوسوسة { قال } على وجه الشفقة والنصيحة وإرادة الخير: { ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة } المباركة المزكية عنكم لوث بشريتكم { إلا } كراهة { أن تكونا ملكين } بتناولهما { أو تكونا من الخالدين } [الأعراف: 20] فيها.

{ و } بعدما نصحهما وأشفقهما وسمعا منه ما سمعا { قاسمهمآ } أي: بادر إلى القسم تأكيدا وترويجا لقوله إياهما قائلا: { إني لكما لمن الناصحين } [الأعراف: 21] المشفقين المريدين خيركما.

{ فدلاهما } أي: أسقطهما عن معالي العز إلى مهاوي الذل { بغرور } غرهما به على وجه الانتقام { فلما } سمعا قوله وقبلا غروره { ذاقا الشجرة } مطمعين على ما أغراهما إليه من الشرف والخلود، وبعدما ذاقا منها { بدت } ظهرت { لهما سوءاتهما } عوراتهما؛ إذ نزع عنهما لباس التقوى وثياب العصمة { و } بعدما نزع لباسهما ظهر سواءتهما { طفقا } أخذا { يخصفان } يلصقان ويلزقان { عليهما من ورق } أشجار { الجنة } قيل: هي التينة، وقيل: الكرمة { و } بعدما ما بدا منهما ما بدا { ألم أنهكما } موبخا مقرعا: { ناداهما ربهمآ } أيها المعتديان المسرفان { عن تلكما الشجرة وأقل لكمآ إن الشيطآن لكما عدو مبين } [الأعراف: 22] ظاهر العداوة، فلم تسمعا قوله، وتتبعا أمره؟ فلما سمعا من ربهما ما سمعا.

[7.23-27]

{ قالا } متضرعين متذللين معترفين على زلتهما: { ربنا } يا من ربانا على الكرامة لمقتضى فضلك وجودك { ظلمنآ أنفسنا } بمتابعة عدوا { وإن لم تغفر لنا } لم تتجاوز عنا { و } لم { ترحمنا } بفضلك { لنكونن من الخاسرين } [الأعراف: 23] خسرانا عظيما.

Página desconocida