{ يآ أيها الذين آمنوا } من جملة الأمور التي يجب عليكم محافظتها: { شهادة بينكم } أي: إشهادكم { إذا حضر أحدكم الموت } أن يشهدوا { حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم } أي: من أقاربكم وعشائركم { أو آخران من غيركم } من جانب المسلمين وأهل الذمة { إن أنتم ضربتم } سافرتم { في الأرض } متباعدين عن الأقارب والعشائر { فأصابتكم } فيها { مصيبة الموت تحبسونهما } أي: الآخران من الأجانب، وتقفونهما { من بعد الصلاة } عند الجماعة.
{ فيقسمان بالله } على رءوس الأشهاد { إن ارتبتم } أيها الوارثون في شهادتهما، بأنا { لا نشتري } ولا نرتشي بشهادتنا { به ثمنا } ولا نشهد بالزور { و } خصوصا { لو كان } المقسم له { ذا قربى } صاحب قرابة { و } بأنا { لا نكتم شهادة الله } التي أودعناها، بل نؤديها على وجهها بلا تحريف ولا كتمان، وإن كتمناها وحرفناها؛ ظلما وزورا { إنآ إذا لمن الآثمين } [المائدة: 106] المكستبين لأنفسنا إثما عظيما.
[5.107-109]
{ فإن عثر } أي: أشعر واطلع { على أنهما } أي: الشاهدان { استحقآ إثما } بواسطة تحريفهما وكتمانها { فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم } أي: من الورثة وهما { الأوليان } الأحقان التحليف من الشاهدين { فيقسمان بالله لشهادتنا أحق } وأصدق { من شهادتهما وما اعتدينآ } وتجاوزونا في هذه الشهادة عن الحق، وإن اعتدينا { إنا إذا لمن الظالمين } [المائدة: 107] الخارجين عن الاعتدال الإلهي الذي وضعه الحق بين عباده.
{ ذلك } التحليف والتغليظ { أدنى } أقرب إلى الاحتياط { أن يأتوا بالشهادة } ويؤدوها { على وجههآ } أي: على وجه تحملونها من غير تحريف وخيانة فيها { أو يخافوا أن ترد أيمان } على المدعين { بعد أيمانهم } الكاذبة، فيفتضحوا بظهور الخيانة على رءوس الملأ { واتقوا الله } أيها الشهود عن الكتمان والتحريف { واسمعوا } ما يقول المحتضر وأدوه على وجهه { والله } المطلع لضمائر عباده { لا يهدي } إلى توحيده { القوم الفاسقين } [المائدة: 108] الخارجين عن مقتضى أوامره ومنهياته، واذكروا، وتذكروا خطاب الله وعتابه لرسله من أجلكم.
{ يوم يجمع الله الرسل } في يوم العرض الأكبر { فيقول } لهم على وجه التوبيخ: { ماذآ أجبتم } أي: بأي شيء أجبتم لهؤلاء العصاة المتجاوزين عن الحد؟ { قالوا لا علم لنآ } بحالهم، ولا عذر لنا نعتذر عنهم { إنك } بذاتك وأسمائك وأوصافك { أنت } بخصوصيتك؛ إذ لا غير معك { علام الغيوب } [المائدة: 109] التي غابت عن عقولنا وأبصارنا وأسماعنا، فلك الحكم الأمر، نفعل ما تشاء، وتحكم ما تريد.
[5.110]
اذكر وقت { إذ قال الله يعيسى ابن مريم } امتنانا عليه { اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك } وأقم شكرها { إذ أيدتك } قويتك، وخصصتك { بروح القدس } أي: بالنفس القدسية اللاهوتية المطهرة عن شوب القوى الناسوتية، لذلك { تكلم الناس في المهد وكهلا } على السوية؛ أي: جعلت لك جميع كمالاتك بالفعل، في جميع أوقات وجودك بلا تفاوت بين طفوليتك وكهوليتك { وإذ علمتك الكتاب } أي: التدبيرات المتعلقة لظواهر الشرع { والحكمة } المتعقلة لبواطنها { والتوراة } الجامع بينهما { والإنجيل } الغالب فيه ما يتعلق بالباطن.
{ وإذ تخلق } تصور وتقدر { من الطين كهيئة الطير بإذني } أي: بأمري وتعليمي { فتنفخ فيها } من روحي التي أبديتك به { فتكون طيرا بإذني } وتبصر { وتبرىء الأكمه } المكفوف العين { و } تشفي { الأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى } من قبورهم أحياء بإذني { وإذ كففت } ومنعت شر { بني إسرائيل عنك } وقت { إذ جئتهم بالبينات } الواضحات المعجزات الباهرات { فقال الذين كفروا منهم } من حيث باطنهم: { إن هذا إلا سحر مبين } [المائدة: 110] وما هو إلا ساحر عليم.
[5.111-114]
Página desconocida